ورقة عمل متخصصة بالتعاون المباشر مع 3 شركات استشارات بريطانية لتقييم بيئة المال والأعمال اقتصاديا وسياسيا
قام مركز ريكونسنس للبحوث والدراسات بإعداد ورقة عمل متخصصة بالتعاون المباشر مع 3 شركات استشارات بريطانية كبرى هي: Wallbrook وCastlereagh Associates وAlaco Ltd لتقييم بيئة المال والأعمال اقتصاديا وسياسيا، ورصد التوقعات من وجهة نظر بريطانية حول مستقبل الاستثمار بدول الخليج في ضوء التطورات التي حدثت خلال الأشهر القليلة الماضية.
وقال المشاركون في ورقة العمل إن المستثمرين الأجانب يعلمون مسبقا ومنذ فترة طويلة عن أثر تقلبات أسعار النفط على السوق المحلي وعدم اتساق الأطر القانونية بالمنطقة، بالإضافة لمعرفتهم بعدم شفافية بيئات الأعمال، باعتبارها أهم نقاط ضعف اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. إلا أن تفشي جائحة ڤيروس كورونا كشف عن اتساع عواقب وآثار تلك نقاط الضعف، حيث ستضطر دول الخليج إلى تسريع جهودها بشكل كبير بهدف تنويع مصادر إيراداتها وتوسيع نشاط القطاع الخاص.
وأكدت ورقة العمل أن حالة الكويت لا تختلف كثيرا عن باقي الدول، فرغم أن الأحداث الأخيرة قد كشفت عن مدى تفشي الفساد وتأثيره المحتمل على الاستثمار الأجنبي، إلا أن قضية عالمية قلبت الموازين بشكل سلبي متسارع على الكويت وبشكل أكثر تحديدا، عندما ظهرت تفاصيل في مايو الماضي بشأن تورط مزعوم لأحد المتنفذين في فضيحة دولية لغسيل الأموال.
وذكر المشاركون أن مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي يثير القلق، حيث إن الشعور العام لديهم هو أن التقدم ممكن - بل واجب مستحق - لا بد من تحقيقه، لكن بالنسبة للكويت على وجه التحديد، يبدو أن الترقب لايزال مستمرا أكثر من أي وقت مضى، فالكويت - بحسب المشاركين في الورقة - بحاجة إلى استعادة الثقة الشعبية التي أصبحت مفقودة، بما سيحدد ملامح البلاد للمستثمرين الجدد في حقبة ما بعد ڤيروس كورونا.
تراكم التحديات
ويرى المشاركون أن القضية الأكثر تكرارا التي تعاني منها اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي هي المعاملة التفضيلية للأفراد ذوي النفوذ، في منح العقود والقروض.
وتقول «راشنا أوبال» - كبيرة المحللين في كاسلريا - في هذا الصدد إن القطاع المصرفي الإقليمي يمكن وصفه بسمة «الإقراض استنادا للأسماء»، حيث يمنح المقرضون الأولوية لأسماء النخب المرضي عنهم سياسيا دون مراعاة كبيرة لإجراءات الاستقصاء والتحقق اللازمة في إمكانات السداد. كما أن تضارب المصالح هذا يفتح الباب أمام سوء حتمي لإدارة الثروة وحتى غسيل الأموال، لاسيما في قطاعي العقارات والمقاولات البارزين. وهي سمة واضحة للغاية ومكشوفة جدا، حيث نلاحظ أن العديد من الشركات المختلفة في الخليج، وعبر قطاعات متعددة، يتكرر فيها وجود نفس أسماء أعضاء مجالس الإدارات والمديرين التنفيذيين.
وحسب أوليفر رادواي وهو زميل في «وولبروك»: لاتزال الحكومات الخليجية تمنح العقود المربحة من الدولة لأفراد متنفذين أو وكلائهم، دون المواطنين العاديين أو الرعايا الأجانب، وليس من المستغرب أن تكون الآليات التي تمنح بموجبها هذه العقود غير شفافة إلى حد كبير.
ويضيف أوليفر بالقول ان «ذلك يقلل من المنافسة ويؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض جودة العمل المقدم»، بالإضافة إلى ذلك، نجد أن دور الحكومات الخليجية في إدامة ثروة النخب له تأثير سياسي، فرغم أن المنطقة ظلت مستقرة نسبيا في السنوات الأخيرة، كان الكسب غير المشروع وانعدام المساواة عاملين رئيسيين في المظاهرات التي هزت المنطقة في 2011.
من جهته، يقول المدير المساعد في «ألاكو» أوستن جوزيفز انه رغم العديد من حكومات دول مجلس التعاون الخليجي قد طبقت تدابير تنظيمية لتخفيف حدة الفساد وسوء إدارة الثروة وغسيل الأموال، إلا أن هذه التدابير يمكن وصفها بأنها «ترقيعية، مهلهلة وغير كافية على الإطلاق»، موضحا ان «التصور القائم لدينا هو أن السلطات تفتقر إلى وجود الإرادة أو الأدوات القانونية اللازمة للقيام بالتحقيقات وضبط المتهمين بشكل صحيح وجاد، ولذا فإن العملاء الغربيين وخاصة في مجال الخدمات المالية اصبحوا يعتبرون منطقة الخليج الآن من مناطق المخاطر العالية»، كما تكونت لدينا تصورات بأن شركات المحاسبة الدولية التي تعمل في الخليج تميل إلى عدم تطبيق نفس المعايير الصارمة أثناء مراجعتها للميزانيات المالية الخليجية كما تفعل أو كما من المتوقع أن تفعل في أماكن أخرى من العالم».
ويشير «رادواي» إلى انه مع كل ما قيل من مشكلات كبرى تهدد سمعة المنطقة، أظهرت دول الخليج تحسنا طفيفا لا يكاد يذكر في التزامها بإجراءات مكافحة الفساد. وتابع رادواي بقوله: إن دول الخليج قامت بخطوات لتحسين ضوابط مكافحة غسيل الأموال في السنوات الأخيرة.
في المقابل، يرى جوزيفز انه وعلى الرغم من تعزيز إجراءات الامتثال للشروط على الشركات المملوكة للدولة وصناديق الثروة السيادية، إلا أنها لاتزال تفتقر إلى الشفافية المطلوبة.
وأجمع المشاركون على أنه وبسبب الأهمية الهائلة للاستثمار في جميع اقتصادات الخليج، يتوجب على حكومات دول مجلس التعاون الخليجي أن تنظر إلى هذه القضايا باعتبارها ذات أولوية قصوى.
وحسب رادواي: «إذا لم تتم معالجة هذه القضايا، فسوف تتعرض عائدات الدخل الحكومية للانهيار مع استمرار ازدهار الشركات الإجرامية ذات التعاملات غير القانونية».
الاستثمار في زمن «كورونا»
تمثلت النتيجة الأكثر وضوحا لتأثير ڤيروس كورونا على دول مجلس التعاون الخليجي في تأثيره السلبي واسع النطاق على انخفاض الطلب على النفط، فقد هبطت أسعار الخام بشكل سلبي كبير خلال أبريل، وتجاوز الإنتاج العالمي سعة التخزين، مدفوعة بالتوترات بين روسيا والمملكة العربية السعودية.
وفي هذا الصدد، يقول رادواي انه لم تعد حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تستطيع الاعتماد على الاحتياطيات النفطية الهائلة لدعم اقتصاداتها الجامدة وغير المرنة. وسيتمثل التأثير المباشر لكل هذا في الانخفاض السريع في احتياطيات العملات الأجنبية لدول الخليج وهروب رأس المال إلى الأسواق التي يعتبرها المستثمرون المحليون والأجانب على حد سواء أقل خطورة وأكثر شفافية.
علاوة على ذلك، يحذر جوزيفز من أن كبرى الشركات المتعثرة والمدينة قد تنهار، ما سيؤدي إلى تزايد الاتهامات بسوء الإدارة والاحتيال وهو ما يعزز من التصورات السيئة الموجودة لدى الأجانب عن مناخ الاستثمار الضعيف في دول مجلس التعاون الخليجي.
ويوضح جوزيفز ان اقتصادات الخليج تعتمد اعتمادا شديدا على أسعار النفط وهذا معروف. ومع ذلك، فإن ڤيروس كورونا دفع دول الخليج الى السعي لتنفيذ الإجراءات الإصلاحية بشكل أسرع بكثير مما كان متوقعا في السابق، وهو ما قد يتم على الأرجح ولكن بتكلفة أكبر بكثير وعلى المدى القصير.
ويضيف جوزيفز: «يجب أن يرافق هذه الإجراءات وبشكل جاد نظام ضرائب أكثر قوة لاستبدال عائدات النفط».
الفساد في الكويت
ويرى المحللون أن كل نقاط الضعف في كل الأنظمة المالية الخليجية المذكورة سابقا قد تجمعت بطريقة دراماتيكية الشهر الماضي في الكويت، وفقا لسلسلة من القصص التي نشرت عن تفاصيل فضيحة دولية لغسيل الأموال، والتي ظهرت لأول مرة في 2015، إلا أن التفاعل المحلي حولها أتى متسارعا فقط خلال الشهر الماضي. وما زال المحققون من وزارة العدل الأميركية والحكومة الماليزية يكشفون مزيدا من الأدلة الجديدة.
وتقول أوبال إن «وحدة التحريات المالية التابعة للحكومة الكويتية بدأت تحقق في الفضيحة وقد تم استقبال تقاريرها حتى الآن بشكل إيجابي، إلا أن الاختبار الحقيقي للكويت هو ما إذا كان سيتم فرض أي إجراءات عقابية».
فيما يرى جوزيفز بأنه «بسبب هذه الحادثة سيستمر المستثمرون الدوليون في رؤية النظام السياسي الكويتي على أنه معطل وأن نظامها القانوني غير فعال».
كما دعت التقارير البريطانية إلى إجراء المزيد من التدقيق في مشروع مدينة الحرير الذي تقوده الصين عبر الخليج من مدينة الكويت.
الخطوات التالية
وبحسب جوزيفز، هناك عدد من الخطوات التي يفترض على الكويت اتخاذها إذا كانت فعلا ترغب بتحسين سمعتها الدولية في ضوء هذه الفضائح.
ففيما يتعلق بـ «وان ام دي بي» (1MDB) يجب على السلطات الكويتية التعاون مع السلطات الأميركية والماليزية التي تسعى إلى استرداد الأموال المختلسة، وسيكون إيجابيا جدا أن نرى المحاكم تصدر أحكامها بصدد المخالفات بشكل مستقل.
كما أجمع المشاركون في ورقة العمل على وجوب تعزيز قوانين لحماية المبلغين عن المخالفات وتنفيذها بشكل أكثر اتساقا، أي يجب أن تتغير الثقافة بحيث تصبح العناية بإجراءات الاستقصاء المصرفي الواجبة هي القاعدة العامة وليس الاستثناء.
وهنا تقول أوبال: «رصدنا بعض التوتر بشأن منح عقود بمليارات الدولارات لشراء لوازم ومعدات طبية - من دون تفضيل العطاءات - لمجموعة منتقاة من الشركات والأفراد الذين يمتلكون صلات وثيقة بالحكومة».
وستكون الأشهر القليلة المقبلة مهمة للغاية للكويت في تحديد ما إذا كانت هي وبقية دول مجلس التعاون الخليجي قادرة على جذب الاستثمارات بنجاح وتوسيع قطاعاتها الخاصة.
والنتيجة التي يؤكدها كل الخبراء ان الفشل في أي من هذين الهدفين سيكشف عن عيوب عميقة في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي.