استعرض عدد من الخبراء والمختصين مجموعة من التغيرات المحتملة في العلاقات بين الولايات المتحدة و
دول الخليج عقب الانتخابات الرئاسية الأميركية، وأجمعوا على ضرورة إحداث نقلة نوعية في سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط.
جاء ذلك خلال ندوة «الانتخابات الأميركية وأثرها على الخليج»، والتي نظمها مركز ريكونسنس للبحوث والدراسات بالتعاون مع «نادي هارفارد الكويت»، وذلك مساء يوم الجمعة الماضي، بمشاركة خبراء دوليين ومحليين، وأدارت النقاش خلالها كيرستن فونتنروز، مديرة مبادرة سكوكروفت للشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، وعضوة المجلس الاستشاري لمركز ريكونسنس، والتي شغلت على مدى 20 عاما عدة مناصب معنية بشؤون الشرق الأوسط، حيث شغلت منصب مدير شؤون الخليج في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض.
وقد عكست نقاشات الندوة مجموعة من وجهات النظر حول جوانب مختلفة من العلاقات بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك الطاقة والأمن والتنمية الاقتصادية، مع التركيز على التحولات السياسية المحتملة عقب الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وقدم ديفيد دي روش ود. عباس كاظم لمحات واضحة حول تطور الأهمية السياسية والعسكرية للخليج، وكيف يمكن أن تتحول سياسة الولايات المتحدة تجاهها بالمستقبل، بينما تحدث الشيخ نواف الصباح وفيصل الحمد أكثر حول آثار وتداعيات التحولات في الظروف الاقتصادية بالمنطقة.
وركز جميع المتحدثين باتجاه ضرورة إحداث نقلة نوعية في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وذلك من خلال إجاباتهم عن أسئلة كل من مديرة النقاش وأيضا المشاهدين.
تحول أمني مرجح
على الرغم من أن كلا الطرفين (الجمهوري والديموقراطي) قد أشارا مؤخرا إلى وجود اهتمام بتقليص التواجد العسكري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إلا أن دي روش ود. كاظم جادلا بأن الانسحاب الكامل غير مرجح وغير حكيم.
وأشار دي روش إلى أن الولايات المتحدة مهتمة أكثر بتهديدات الصين وروسيا خارج الخليج، وأن سياستها الأمنية الإقليمية عكست هذا التحول في الغالب حيث سحبت معظم، ولكن ليس كل قواتها.
وكان أحد الاستثناءات الرئيسية التي لاحظها هو اعتماد الولايات المتحدة المستمر على تواجد حاملات الطائرات في مياه الخليج والقواعد العسكرية الدائمة بالقرب من إيران، والتي وصفها بأنها أطلال خطيرة لسياسات الإدارات الأميركية السابقة.
وقال دي روش إنه يجب استبدال هذا الوضع غير المرن بتواجد لوجيستي ضمن شبكات كبرى أكثر قوة مثل سكك حديد تمتد من البحر الأحمر إلى الخليج.
بدوره، تحدث د.كاظم بشكل مباشر أكثر عن التحولات المحتملة في العلاقات الأميركية- العراقية، وكيف يمكن أن تؤثر على المنطقة ككل، وذكر أنه إذا فاز الرئيس ترامب، فمن غير المرجح أن تتغير سياسات الولايات المتحدة، وسيظل العراق «عنوانا فرعيا» للسياسة تجاه إيران، بل وقد تعزز إعادة انتخاب ترامب عددا من التحديات التي يواجهها العراقيون في الامتثال للعقوبات التجارية في ظل حملة «الضغط الأعلى» الحالية.
في المقابل، فمن المرجح أن تلجأ إدارة بايدن إلى تخفيف التوترات مع إيران، الأمر الذي سيكون له تأثير طيب في جميع أنحاء العراق.
لكن مع ذلك، فقد قام نائب الرئيس بايدن سابقا بدعم مجموعة متنوعة من المواقف الأقل شعبية، بما في ذلك الغزو العراقي عام 2003 ومشروع تقسيم العراق جغرافيا.
مفترق طرق
ربما كان أهم تأثير محتمل للانتخابات الأميركية تم ذكره خلال الندوة هو التحول في سياسة الطاقة.
فقد أشار الشيخ نواف الصباح الى أن السياسة تجاه الخليج بين الإدارات الأميركية ظلت متسقة إلى حد ما بصرف النظر عن التغيرات في نبرة التصريحات، كما أشار إلى أن خطة بايدن للحد من التنقيب في الأراضي الفيدرالية وفرض لوائح أشد لمكافحة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ستقلل من حصة السوق الأميركية وستزيد من كلفة إنتاج الكهرباء بما قد يصل إلى ثلاثة أضعاف التكلفة الحالية.
كما أشار خلال الندوة إلى زيادة شعبية الاعتماد على السيارات الكهربائية، مشيرا إلى أنه إذا تم تنفيذ وعود بايدن، فإن الزيادة الناتجة في كلفة الكهرباء ستحافظ على استدامة محرك الاحتراق الداخلي.
ولهذا السبب، فهو لا يشعر بالقلق حيال توقعات إنتاج النفط في الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي على المدى الطويل.
وبصرف النظر عن هذه النقطة، اتفق الشيخ نواف الصباح مع فيصل الحمد على أن تأثير الانتخابات على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي سيكون هامشيا.
ركز فيصل الحمد بشكل أكبر على التحديات التي جلبتها جائحة فيروس كورونا، والتي قال إنها كشفت عن قضايا موجودة مسبقا مثل بطالة الشباب واختلال الموازنة الحكومية.
وحث على ضخ استثمارات حكومية مباشرة بحذر لخلق فرص عمل في القطاع الخاص، إلى جانب سياسية للإصلاح التعليمي.
وأشار الحمد إلى البدائل في مجالات الخدمات اللوجستية والتكنولوجيا والطاقة الخضراء، حيث إن مختلف القطاعات في الكويت وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، هي في وضع جيد للاستفادة منها.
الآراء الشعبية المحلية
اهتم كل المتحدثين بالأسئلة التي قدمها المشاهدون، بدءا من موضوعات مثل الوجود الروسي في الشرق الأوسط إلى تأثير إمكانية التنقيب في شرق البحر الأبيض المتوسط.
كان الموضوع الرئيسي المتكرر هو الدور المركزي المتزايد للرأي العام والموافقة في الشرق الأوسط.
وأشار د.كاظم على وجه الخصوص إلى أنه بغض النظر عن الأشكال المتنوعة للحكومة الموجودة في جميع أنحاء العالم العربي، فإن كلا منها أصبح يظهر انفتاحا نحو التمثيل الشعبي، لكن وفقا لوتيرته الخاصة.
وباستثناء الأجيال الأكبر سنا من الكويتيين الذين مازالوا يحتفون كثيرا بمقدم الولايات المتحدة للدفاع عنها عام 1991، فإن أغلب العرب (وخاصة الشباب العربي) ينظرون بشكل نقدي ومتزايد حول إذا ما كان بإمكانهم الاستفادة من أي علاقة سواء مع إدارة ترامب أو بايدن.
وعند سؤالهم عن كيفية عرض مفهوم أهمية استمرار العلاقات الخليجية وإعادة تشكيلها أمام من يفوز في الانتخابات، شحذ المتحدثون الطرق التي يمكن أن تلعب بها مجالات اهتمامهم دورا في ذلك، فقد أكد الكولونيل دي روش أنه على الرغم من أن روسيا غير قادرة حاليا على توفير الأمن المستدام للمنطقة، فإن الانسحاب الأميركي الكامل قد يوفر لها أو لأي جهات خبيثة أخرى فرصة للتدخل.
بينما أكد فيصل الحمد أهمية الوضوح بين الشباب العربي حول كيف يمكن لعلاقة مع الولايات المتحدة أن تفيدهم، لاسيما في مكافحة بطالة الشباب. وحث د. كاظم على التحول من العلاقات القائمة على النفط والأمن إلى علاقات أكثر إنتاجية واحتراما للطرفين، والتي قد تركز أكثر على التعليم أو التكنولوجيا.
وأخيرا، أشار الشيخ نواف الصباح إلى أن الطلب على المحروقات سيستمر في العقود القادمة حتى مع زيادة اللجوء إلى الطاقة المتجددة.
ونظرا لأن دول مجلس التعاون الخليجي تنتجها بتكاليف نقدية وبيئية أقل من أي جزء آخر في العالم، فإنه يعتقد أنها ستظل لاعبا مهما في مجال الطاقة العالمي في المستقبل المنظور.
المتحدثون في محاور الندوة
من نادي هارفارد الكويت:
1- الشيخ نواف سعود الصباح - الرئيس التنفيذي لشركة البترول الكويتية العالمية (Q8)، التابعة لمؤسسة البترول الكويتية والرئيس التنفيذي للشركة الكويتية للاستكشافات البترولية الخارجية (كوفبيك) وأمضى 14 عاما في مؤسسة البترول الكويتية شغل فيها منصب المستشار العام للمؤسسة.
2 - فيصل عبداللطيف الحمد، الرئيس التنفيذي لشركة الوطني للاستثمار. وقبل انضمامه إلى شركة الوطني للاستثمار، كان المدير العام لشركة أجيليتي، والمدير المستشار بشركة ويلينغتون للإدارة الدولية في لندن، المملكة المتحدة.
ومن مركز ريكونسنس:
1- أ.ديفيد دي روش، أستاذ في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الإستراتيجية (NESA) في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن العاصمة، وعضو المجلس الاستشاري لمركز ريكونسنس.
كما تولى منصب مسؤول الاتصال بوزارة الدفاع في وزارة الأمن الداخلي، كما كان مدير عمليات الناتو، حيث صاغ توجيهات النهج الشامل لحلف الناتو.
2 - د.عباس كاظم، مدير برنامج العراق في المجلس الأطلسي بواشنطن، والمشرف العام على (إدارة الشأن العراقي) بمركز ريكونسنس، والذي يركز حاليا في مشاريعه البحثية على آلية إعادة بناء الاقتصاد السياسي في العراق.
٭ أدارت الندوة كيرستن فونتنروز، مديرة مبادرة سكوكروفت للشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، وعضو المجلس الاستشاري لمركز ريكونسنس، وقد شغلت منصب مدير شؤون الخليج في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض.