reconnaissanceresearch.com

التحديات التي تواجه الإدارة السورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد



في إطار سعي مركز ريكونسنس للبحوث والدراسات إلى متابعة الملفات الدولية الكبرى، وبالأخص التطورات الإقليمية ذات التأثير المباشر على استقرار المنطقة، نقدم أدناه تحليلًا موجزًا يسلط الضوء على التحديات التي تواجه الإدارة السورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد.

يستعرض هذا التقرير، وبشكل موجز أبرز العقبات السياسية، الأمنية، والاقتصادية التي تواجه الحكومة الجديدة، ويأتي ضمن المتابعة المستمرة للمركز للملف السوري. وسنواصل رصد تطوراته عن كثب، انطلاقًا من التزامنا بتقديم رؤى تحليلية دقيقة حول القضايا التي تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن والاستقرار في المنطقة.

 

محاور التقرير:

            •          الإدارة السورية الجديدة تواجه تحديات كبرى بعد سقوط نظام الأسد

            •          تفكيك الجيش السوري وتسريح عشرات الآلاف من العسكريين والموظفين يخلق أزمة أمنية واقتصادية

            •          البطالة المسلحة: خطر يهدد الاستقرار مع تسريح عسكريين مدربين على القتال

            •          احتجاجات يومية لموظفين مسرحين وسط تجاهل حكومي لمطالبهم

            •          الجماعات المتطرفة قد تستغل الفقر والبطالة لتجنيد العاطلين وتهديد الأمن

 

 

التحديات التي تواجه الإدارة السورية الجديدة بعد انتصار الثورة

مع دخول الثورة السورية شهرها الثالث منذ سقوط نظام الأسد السابق في 8 ديسمبر 2024، وبسط الإدارة الجديدة سيطرتها الكاملة على مؤسسات الدولة، بدأت تبرز تحديات رئيسية تهدد استقرار سوريا. هذه التحديات قد تثير قلق دول الجوار والدول الغربية في حال تفاقمها.

 

تفكيك الجيش وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة

في الأسبوع الأول بعد السيطرة على العاصمة دمشق، اتخذت الإدارة الجديدة قرارًا بحل الجيش السوري وتسريح عناصر الأجهزة الأمنية، إضافة إلى فصل عشرات الآلاف من موظفي الدولة ضمن حملة أطلقت تحت عنوان “إعادة تقييم مؤسسات الدولة السورية”.

ووفقًا لتصريحات مسؤولين في الإدارة الجديدة، كشفت عمليات التقييم أن ما لا يقل عن 25% من الموظفين المدنيين هم “موظفون أشباح”، أي أنهم إما تم تعيينهم بأسماء وهمية أو يشغلون مناصب دون أداء أي عمل فعلي. وتشير التقارير إلى أن معظم هؤلاء ينتمون للطائفة العلوية أو للحزب الحاكم السابق.

 

حجم التوظيف الفعلي في مؤسسات الدولة

وفق مصادر شبه رسمية داخل الإدارة السورية الجديدة، يقدر عدد الموظفين الفعليين العاملين في مؤسسات الدولة بحوالي 900,000 موظف، في حين يتجاوز العدد الرسمي المسجل 1,270,000 موظف. وكان نظام الأسد خلال السنوات الأخيرة يعتمد على توظيف أبناء عائلات قتلى وجرحى الجيش والأجهزة الأمنية الذين سقطوا خلال النزاع المستمر منذ 14 عامًا.

 

التسريح الجماعي في القطاع العسكري

شمل قرار التسريح عشرات الآلاف من الضباط وضباط الصف في الجيش السوري، إضافة إلى آلاف الموظفين المدنيين العاملين في وزارة الداخلية والأفرع الأمنية. ونتيجة لإلغاء الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها في ظل النظام السابق، مثل السكن المجاني، السيارات، وفرص العمل، عاد معظمهم إلى قراهم وبلداتهم، التي تتركز غالبًا في المناطق الساحلية السورية وريف حماة وحمص الغربي.

أدى هذا التسريح الجماعي وفقدان الامتيازات إلى خلق ظاهرة جديدة وصفها اقتصاديون ومسؤولون في الإدارة السورية بـ”البطالة المسلحة”، إذ إن معظم المسرحين مدربون على حمل السلاح بسبب خدمتهم السابقة في الجيش أو الأجهزة الحزبية. ويثير هذا الوضع مخاوف من إمكانية استغلالهم من قبل جهات محلية أو إقليمية عبر تقديم الدعم المالي لهم وتحفيزهم على زعزعة الاستقرار، مما قد يؤدي إلى اضطرابات سياسية أو حتى مواجهات عسكرية.

 

التداعيات الاقتصادية والاجتماعية

وفقًا لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، يعاني تسعة من كل عشرة سوريين من الفقر المدقع، فيما تضاعفت معدلات البطالة ثلاث مرات، مما يعني أن واحدًا من كل أربعة سوريين أصبح بلا عمل. وقد شهدت سوريا ارتفاعًا حادًا في معدلات الفقر، حيث تضاعف الفقر العام من 33% قبل الحرب إلى 90% اليوم، بينما ارتفع الفقر المدقع ستة أضعاف، من 11% إلى 66% (المصدر: تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فبراير 2025).

كما يقدر التقرير أن إجمالي خسائر الناتج المحلي الإجمالي في سوريا بلغت نحو 800 مليار دولار على مدار 14 عامًا من الصراع، مما يعكس مدى الدمار الاقتصادي العميق الذي أصاب البلاد (المصدر: تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فبراير 2025).

هذا التدهور الاقتصادي الحاد يخلق بيئة خصبة لاضطرابات أمنية واجتماعية، حيث تكمن المخاوف الحقيقية في احتمال استغلال الجماعات المتطرفة لهذه الظروف، إذ قد تلجأ إلى تجنيد العاطلين عن العمل وتأجيج النزاعات، مما قد يعيد سوريا إلى دوامة العنف ويدفع البلاد إلى نزاع مسلح جديد يمتد إلى الإقليم.

إن التحديات التي تواجه الإدارة السورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد لا تقتصر على الأوضاع الاقتصادية فحسب، بل تمتد إلى تهديدات أمنية واجتماعية خطيرة، أبرزها تفكيك مؤسسات الدولة، تفاقم البطالة المسلحة، واستغلال الجماعات المتطرفة للأزمة. ومع استمرار غياب رؤية واضحة من الحكومة لمعالجة هذه القضايا، يزداد خطر عدم الاستقرار الداخلي وعودة النزاع المسلح.

 

في ضوء هذه التحديات، يصبح من الضروري تبني استراتيجيات متكاملة لضمان معالجة الأزمة من زواياها المختلفة، ومن أبرز الخطوات المطلوبة:

            1.        إعادة إدماج المسرحين في المجتمع: يتوجب على الدول المؤثرة في المنطقة، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، تقديم المشورة للإدارة السورية الجديدة حول آليات استيعاب المسرحين والاستفادة من خبراتهم في إعادة بناء الدولة، بدلاً من تركهم فريسة للاستقطاب السياسي والعسكري.

            2.        الدعم المادي والمشاريع الاقتصادية: يجب أن يتحرك المجتمع الدولي بسرعة لتقديم دعم مالي مستدام عبر منظمات المجتمع المدني ومنظمات الأمم المتحدة العاملة في سوريا، بهدف توفير حلول عملية وطويلة الأمد لهذه الفئة، بدلًا من الاقتصار على المساعدات الإنسانية قصيرة المدى.

 

 

 

يمكن أن يشمل ذلك:

            •          مشاريع زراعية صغيرة لتعزيز الأمن الغذائي.

            •          مشاريع نقل لخلق فرص عمل وتحسين البنية التحتية.

            •          برامج تعليمية وتدريب مهني لإعادة تأهيل القوى العاملة.

            •          مبادرات لخلق فرص عمل تساهم في تقليل الاعتماد على المعونات الخارجية.

 

ما لم يتم تبني إصلاحات جذرية وشراكات دولية حقيقية، فإن الإدارة السورية الجديدة ستواجه صعوبة في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي. المرحلة القادمة ستكون حاسمة في تحديد مسار سوريا: إما تحقيق انتقال حقيقي نحو الاستقرار وإعادة الإعمار، أو الدخول في دورة جديدة من الصراع والاضطرابات التي قد تمتد آثارها إلى الإقليم بأسره.


Previous Post
A conversation with FCC Commissioner Nathan Simington
Next Post
Menu