قطاع النفط الكويتي.. هل تستمر استراتيجية "النمو السلبي"؟
مقدمة
على
مدى عشرين عاما، ظل وزراء النفط الكويتيون وقياديو مؤسسة البترول الكويتية يتحدثون
عن الاستراتيجية النفطية الهادفة لرفع قدرة البلاد الانتاجية إلى أربع ملايين
برميل يوميا من النفط الخام بحلول عام 2020 كهدف رئيسي، من نحو ثلاثة ملايين برميل
في 2005، بالإضافة إلى أهداف أخرى مكملة، أهمها زيادة الطاقة التكريرية للبلاد إلى
1.4 مليون برميل من النفط يوميا.
جاء
عام 2020 ومر مرور الكرام على المؤسسة وعلى القطاع النفطي، في ظل انشغال العالم
بجائحة كورونا، ولم تتحقق الأهداف الاستراتيجية في أهم قطاع اقتصادي في الدولة،
ولم تقدم المؤسسة توضيحا للرأي العام أو الأسواق العالمية، بشأن وضع الاستراتيجية
ونسب الانجاز أو الإخفاق فيها، فضلا عن الأسباب والمبررات.
ووفقا
لتقديرات وكالة الطاقة الدولية فإن القدرة الانتاجية للكويت لم تتقدم بحلول 2020 بل
تراجعت إلى 2.9 مليون برميل يوميا، وهو ما يعني تسجيل هبوط عن قدراتها السابقة
التي بلغت نحو 3.3 مليون برميل يوميا في 2010، بنحو 400 ألف برميل يوما، ولا تختلف
الأرقام الكويتية لعام 2020 عن أرقام وكالة الطاقة الدولية، لكن المفارقة أن أرقام
الهبوط والاستنزاف سترتفع إلى أكثر من نصف مليون برميل في العام التالي 2021 وفقا
للأرقام الكويتية، كما سيأتي تفصليه في الدراسة.
وفي
قطاع التكرير تراجعت الطاقة الانتاجية للكويت من 936 ألف برميل يوميا في 2010 إلى
736 ألفا في 2020 أي أن النمو كان سلبيا أيضا، وحتى بعد تشغيل مشروع الوقود البيئي
في مارس 2022، لاتزال القدرة التكريرية للبلاد تقف عند 800 ألف برميل يوميا. صحيح
أن نوعية وجودة المنتجات اختلفت لكن لا يزال الأمل في الوصول إلى 1.4 مليون برميل
يوميا بعيدا ومعلقا بحلم تشغيل مصفاة الزور الذي تأخر حتى الآن أربع سنوات ولا
ندري متى يتحقق .
للأسف،
لم تصدر مؤسسة البترول ولا وزير النفط ولا الحكومة بيانا تقول فيه لماذا أخفقت
الاستراتيجية؟ ولماذا لم يتم محاسبة أي مسؤول حكومي كبير أو صغير بسبب هذا الإخفاق
المدوي حتى الآن؟
ومع
تولي الشيخ نواف سعود الصباح قيادة المؤسسة بعد تعيينه رئيسا تنفيذيا لها في مارس
2022، فإننا نقدم هذه الورقة بهدف إلقاء الضوء على واقع القطاع النفطي الكويتي، من
خلال التركيز على استراتيجية الكويت النفطية، وأهدافها الرئيسية، ورصد ما تحقق
منها وما لم يتحقق من واقع البيانات والتقارير والتصريحات الحكومية الرسمية
وتقارير المنظمات الدولية.
وتمثل
مؤسسة البترول الكويتية (KPC) الذراع التشغيلي للقطاع النفطي الحكومي
بالكويت، وهي مملوكة للدولة بالكامل، ويرأس مجلس إدارتها وزير النفط، بينما يقوم
رئيسها التنفيذي بإدارتها بشكل فعلي. وتندرج شركات النفط الحكومية المختلفة مثل
شركة نفط الكويت وشركة البترول الوطنية الكويتية، تحت مظلة المؤسسة، وهي تابعة لها.
وإذا
كانت المؤسسة هي ذراع الحكومة التشغيلي، فإن المجلس الأعلى للبترول هو أعلى هيئة
نفطية في البلاد، ويرأسه رئيس الوزراء، ويضم في عضويته وزراء النفط والمالية
والخارجية والتجارة، ويقوم برسم السياسات العامة للثروة البترولية وكيفية تنميتها
والمحافظة عليها، كما يقوم برسم السياسة العامة والإشراف على عمليات التنقيب ونقل
وتسويق النفط الخام والغاز الطبيعي والغاز المسال والمواد الهيدروكربونية.
استراتيجية
2020 وأهدافها وتطورها
الحديث
عن الاستراتيجية النفطية الحالية مستمر تقريبا منذ تولي الشيخ أحمد الفهد الصباح حقيبة
النفط في فبراير 2003، ففي حوار أجرته معه صحيفة الأهرام المصرية تم الكشف عن
التوجهات الاستراتيجية الجديدة لمؤسسة البترول الكويتية[1] لفترة
العشرين عاما المقبلة، وتضمنت أهم ملامحها حينذاك الوصول الى طاقة انتاجية قدرها 4
ملايين برميل يوميا داخل الكويت بحلول عام 2020، وكذلك السعى نحو التوسع في مجال
التكرير، وأيضا التسويق خارج الكويت.
وفي
23 فبراير 2005 تحدث الشيخ أحمد الفهد بمناسبة مرور 25 عاما على انشاء مؤسسة
البترول الكويتية قائلا [2]ان الاستراتيجية الجديدة للقطاع النفطي تشمل الوصول
بالطاقة الانتاجية إلى 3 ملايين برميل يوميا في 2005 وزيادتها إلى نحو أربعة
ملايين بحلول 2020، مع زيادة الطاقة التكريية للبلاد إلى ما بين مليون إلى 1.3
مليون برميل يوميا بحلول 2010. وقال إن المشاريع النفطية ستكلف نحو 16.2 مليار
دينار خلال العشرين عاما المقبلة.
ظلت
التصريحات الصحفية متواترة بتواتر وزراء النفط المختلفين بعد الشيخ أحمد الفهد، محافظة
على هدفها الرئيسي الأهم وهو الوصول إلى طاقة انتاجية قدرها أربع ملايين برميل
يوميا داخل الكويت بحلول 2020. تاليا تمت إضافة هدف آخر للاستراتيجية هو الحفاظ
على هذه الطاقة الانتاجية إلى عام 2030.
ومع
الدخول في العقد الثاني يبدو أن هذه التوجهات كانت قد تبلورت في صورتها النهائية، ففي
يوم الأربعاء 21 ديسمبر2011 تجمع قياديو القطاع النفطي الكويتي بكافة تخصصاتهم، بقيادة
الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية آنذاك فاروق الزنكي، لإطلاق حملة توعوية
بهدف تعريف كل موظفي المؤسسة والقطاع النفطي بالتوجهات الاستراتيجية الجديدة حتى
عام 2030. بعدها أصدرت المؤسسة وثيقة بعنوان "التوجهات الاستراتيجية"
لمؤسسة البترول الكويتية 2030، وأكدت أن ما جاء فيها من أهداف كان ثمرة للدراسات
ذات الصلة، لكي "تخطو بالقطاع النفطي
خطوات واسعة إلى الأمام ليستطيع مقارعة الشركات الكبرى العاملة في مجال النفط
والغاز"[3].
تحدثت
هذه الوثيقة عن "التوجهات الاستراتيجية" والأهداف التي تعتزم المؤسسة
تحقيقها في مجالات عملها المختلفة، وفي مقدمتها نشاط الاستكشاف والانتاج يليه
التكرير والتصنيع والبتروكيماويات ثم التسويق والنقل ثم الاحتياجات المحلية من
الطاقة بالإضافة إلى أنشطة أخرى مساندة.
التوجهات
الاستراتيجية لعام 2020
طبقا
لهذه الوثيقة فإن التوجهات الاستراتيجية لمؤسسة البترول الكويتية حتى عام 2020 تتلخص
في التالي[4]:
·
في نشاط الاستكشاف والإنتاج داخل الكويت[5]:
o
الوصول إلى طاقة
إنتاجية مستدامة للنفط الخام قدرها 3.5 مليون برميل يوميا بحلول عام 2015، و4 مليون
برميل يوميا بحلول عام 2020، مع المحافظة على هذا المعدل حتى عام 2030.
يذكر أن شركة نفط الكويت (KOC) هي المسؤول
الأول والأكبر عن قطاع الاستكشاف والانتاج داخل الكويت، وتساندها الشركة الكويتية
لنفط الخليج (KGOC) التي تقوم بذات النشاط في المنطقة المقسومة
مع السعودية، بالتعاون مع الجانب السعودي. ويشكل إجمالي انتاج الشركتين كل ما يتم
انتاجه داخل الكويت من نفط.
وطبقا للوثيقة فإن نصيب شركة نفط الكويت من الأربعة
ملايين برميل هو 3.650 مليون برميل يوميا في 2020، أي بنسبة تزيد عن 91 بالمئة، بينما
نصيب الشركة الكويتية لنفط الخليج 350 ألف برميل يوميا يتم الوصول إليها في 2015،
والحفاظ عليها حتى 2030[6].
o
وفي مجال الغاز الطبيعي (غير المصاحب) فإن الهدف هو
الوصول إلى طاقة انتاجية قدرها 2.1 بليون قدم مكعب يوميا بحلول عام 2020 ثم 2.6
بليون قدم مكعب يوميا بحلول عام 2025 و3 بليون قدم مكعب يوميا بحلول عام 2030.
o
يضاف إلى ذلك العمل على تعويض الكميات الهيدروكربونية
المنتجة، بإضافة كميات من الاحتياطيات المؤكدة سنويا تعادل متوسط الكميات
الهيدروكربونية المنتجة خلال الأعوام الثلاثة السابقة، وذلك عن طريق تحسين طرق
الاستخراج من المكامن الحالية بالإضافة لعمليات الاستكشاف في المناطق البرية
والبحرية لتغطية الاحتياجات المستقبلية أي أن تكون نسبة تعويض الاحتياطيات 100 بالمئة.
·
في نشاط التكرير والتصنيع داخل الكويت[7]
o
حددت الوثيقة هدفها في هذا المجال بزيادة الطاقة
التكريرية لتصل إلى 1.4 مليون برميل يوميا على المدى المتوسط وزيادة الطاقة
التكريرية لتصل إلى 1.6 مليون برميل يوميا كحد أقصى على المدى البعيد. وقالت المؤسسة
إنها ستحقق هذا الهدف من خلال الانتهاء من مشروع المصفاة الجديدة والوقود البيئي "في
الوقت المناسب"، أي دون تحديد مدى زمني واضح، لكن كان مفهوما في حينها أن
السقف الأبعد هو 2020، لأن مصفاة الزور تم إقرارها في 2004-2005، ولم يكن من
المنتظر سوى أربع سنوات ليكتمل البناء، ويبدأ التشغيل.
يذكر
أن شركة البترول الوطنية الكويتية (KNPC) هي المسؤولة عن عمليات تكرير النفط بالكويت[8]. وكان
في ذلك الوقت يتبعها ثلاث مصاف بطاقة إجمالية نحو 936 ألف برميل يوميا منها 270
ألف برميل لمصفاة ميناء عبدالله و466 ألف برميل لمصفاة الأحمدي و200 ألف برميل
لمصفاة الشعيبة التي تم إغلاقها نهائيا وإحالتها للتقاعد في 2017 لتفسح المجال
لمصفاة الزور التي لم تر النور بعد.
ملاحظات
على التوجهات الاستراتيجية للقطاع النفطي
أول
ما يلفت الانتباه في هذه الوثيقة هو عنوانها "التوجهات الاستراتيجية"، ويبدو
أن الصياغة بهذا الشكل كانت متعمدة لتعفي المؤسسة من أي التزام بتحقيق الأهداف،
أمام الحكومة وأمام الرأي العام الداخلي والخارجي. نحن إذن أمام
"توجهات" وليست خطة ولا استراتيجية. رغم ذلك خالفت تصريحات الوزراء
والمسؤولين هذا التوجه وتحدثت دائما عن خطة وعن استراتيجية بأهداف وتوقيتات زمنية
محددة.
ومن
الملاحظ أيضا أن هذه التوجهات الاستراتيجية لم تتضمن إلا القليل من الأهداف
الرقمية المحددة بتوارخ، وهو ما يخالف الأسس التي تبنى عليها الخطط والاستراتيجيات
لدى أي مؤسسة عامة أو خاصة.
فباستثناء
مجالات الاستكشاف والانتاج والتكرير، اتسمت التواجهات الاستراتيجية لمؤسسة البترول
الكويتية في باقي الأنشطة بالعمومية والكلام الإنشائي الفضفاض غير محدد الأهداف
والتوقيتات، طبقا لما جاء بالوثيقة، وعلى سبيل المثال في مجال التسويق العالمي،
جاءت الأهداف كالتالي: - تعظيم قيمة المواد الهيدروكربونية الكويتية، وتسويقها في
المنافذ الآمنة والمتنوعة وطويلة الأمد - تحقيق أعلى قيمة مضافة لسلسلة عمليات
المؤسسة المتكاملة - تعزيز القدرة التسويقية للموارد الهيدروكربونية الكويتية،
وهكذا.. [9]
كما
لم تتضمن هذه الوثيقة أي أرقام عن الكلفة المالية لهذه المشاريع ولا كيفية تدبيرها
واكتفت تحت عنوان "الموارد المالية" بالحديث عن "وضع التوجيهات
وإجراء التحليل اللازم للتمكن من التخطيط حول الأسلوب الأمثل للتمويل وتوزيع
الموارد"[10].
كان
من اللافت أن الوثيقة صدَّرت التوجهات الاستراتيجية بالعبارة التالية "لم تكن
مؤسسة البترول الكويتية يوما بعيدة عن الواقع، ولم تحلق في آفاق الآمال دون دراسة
متأنية للخطوات التي تم اتخاذها لتنفيذ إستراتيجيه 2020"[11].
إن
الحديث عن "الآمال" البعيدة عن الواقع لم يكن له موضع في ذلك الوقت
المبكر من تنفيذ الاستراتيجية، وكأن المؤسسة كانت تنفي عن نفسها شيئا لم يكن واضحا
في ذلك الحين، قبل نحو عشر سنوات، لكنه اتضح اليوم بعد أن ثبت أن هذه الأهداف لم
تكن واقعية ولم تكن سوى أمال وأحلام على الرمال.
ومجمل
القول أن مسؤولي القطاع النفطي كانوا راغبين في وضع استراتيجية عامة للقطاع، ربما
بضغط من القيادات السياسية أو تماشيا مع التوجه العالمي للمؤسسات الكبرى، لكن دون
التزام واضح بالتنفيذ ولا خطة واقعية حول كيفية الوصول إلى هذه الأهداف، لا ماليا
ولا زمنيا.
موجة
من التفاؤل يبدو كانت سائدة في تلك الفترة، سبقت إقرار هذه التوجهات، ويبدو أنها
قادت إليها، ففي أكتوبر 2010 كشف سامي الرشيد رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب
لشركة نفط الكويت حينها عن أن "كميات أكثر من كبيرة" ستضاف إلى
الاحتياطات النفطية للكويت بنهاية مارس 2011، مشيرا إلى أن خطة الكويت لرفع الطاقة
الإنتاجية إلى 4 ملايين برميل يومياً بحلول العام 2020 لن تواجه صعوبات مهمة. [12]
وأوضح
الرشيد أن بعضاً من الزيادة ستأتي من حقل برقان الأكبر في البلاد، الذي كان يضخ
منه في حينها 1.75 مليون برميل يومياً.
وقال
إن الطاقة الانتاجية للكويت في 2010 بلغت 3.3 مليون برميل يوميا، لكن الانتاج
الفعلي بطبيعة الحال كان أقل من ذلك التزاما بالاتفاقات مع منظمة أوبك.
وفي
2015 أكد الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية نزار العدساني أن الكويت عازمة
أن يكون عام 2020 "عام تحقيق، وانجاز للمشاريع التنموية النفطية، والتي
بدأناها فعلياً منذ عام 2010 ضمن استراتيجية 2030". وقال في افتتاح مؤتمر ومعرض الكويت للنفط والغاز
إن الكويت "تنتج حوالي 3 مليون برميل يومياً من النفط الخام حالياً. وبحلول
عام 2020، تكون الكويت قادره على انتاج 4 مليون برميل يوميا" كما تحدث عن
إنجاز مشروع الوقود البيئي في 2018.[13]
الواقع
الفعلي بعد سنة 2020.. ماذا تحقق؟
في
مجال التنقيب والانتاج،
يظهر الواقع الفعلي أن مؤسسة البترول الكويتية عجزت طوال العقد الماضي، عن تحقيق
أي اختراق كبير في تنفيذ خطتها الاستراتيجية، وهو ما أسفر عن مرورعام 2020 دون
تحقيق الهدف الرئيسي الأكبر للخطة وهو الوصول إلى قدرة انتاجية قدرها أربع ملايين
برميل يوميا.
وتشير
تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن الطاقة الانتاجية لدولة الكويت في 2020 بلغت
2.9 مليون برميل يوميا، وأنها سوف تصل إلى 3.1 مليون برميل يوميا في 2026[14].
هذه
الأرقام تشكل انتكاسة للقطاع النفطي الكويتي لا مفر لمؤسسة البترول الكويتية
وقياداتها من الاعتراف بها، فبدلا من تحقيق زيادة في الطاقة الانتاجية تحولت الكويت
إلى ما يمكن وصفه بالنمو السلبي أو التراجع وتآكل القدرة الانتاجية، من 3.3 مليون
برميل يوميا في 2010 طبقا لتصريح سامي الرشيد إلى 2.9 مليون برميل يوميا طبقا لوكالة
الطاقة الدولية. بما يعني أن الكويت لم تتمكن من الحفاظ على وضعها القائم قبل عشر
سنوات وفقدت 400 ألف برميل من قدراتها الانتاجية في عشر سنوات.
وفي نفس السياق جاءت التقديرات الكويتية قريبة من أرقام
وكالة الطاقة الدوليه، فطبقا لتقرير شركة نفط الكويت لسنة 2019 – 2020 الذي يقيس
الطاقة الانتاجية كما في نهاية مارس 2020 تقول الشركة إنها حققت طاقة إنتاجية تقدر
بنحو 2.806 مليون برميل من النفط يوميا،[15]
وإذا أضفنا لهذا
الرقم 160 ألف برميل يوميا هي حصة الكويت من انتاج المنطقة المقسومة التي بلغ
انتاجها في تلك السنة 320 ألف برميل يوميا طبقا لتصريح الجانب الكويتي[16]، فإن
إجمالي الطاقة الانتاجية للكويت تكون 2.966 مليون برميل يوميا.
اللافت
أن الأرقام الرسمية لشركة نفط الكويت تعطي طاقة انتاجية أقل بنحو 111 ألف برميل من
النفط الخام، في السنة التالية أي 2021 أي أن الاستنزاف والتراجع كان أكبر. فطبقا
لتقرير شركة نفط الكويت لسنة 2020 - 2021 تقول الشركة إنها حققت طاقة إنتاجية تقدر
بنحو 2.629 مليون برميل من النفط يوميا[17]. وإذا اعتبرنا أن ارقام شركة نفط الخليج لم تتغير وثبتت
عند 160 ألف برميل للجانب الكويتي فإن
حصيلة الطاقة الانتاجية للكويت في مارس 2021 تكون 2.789 مليون برميل يوميا، أي أقل
بأكثر من نصف مليون برميل مما كان عليه الوضع في 2010، وأقل بأكثر من مليون و200
ألف برميل عما كان مستهدفا في الاستراتيجية.
وعلى
صعيد الطاقة الانتاجية للغاز غير المصاحب، لم تكن الصورة أفضل، فقد بلغت الطاقة الانتاجية
490 مليون قدم مكعب يوميا في مارس 2020، طبقا لتقرير شركة نفط الكويت[18]
بدلا من الوصول الى 2.1 بليون قدم مكعب يوميا، أي أن الانجاز بلغ نحو 23 بالمئة
فقط بينما كانت نسبة العجز 77 في المئة.
هذا
العجز في تحقيق أهداف الاستراتيجية لم يكن وليد السنوات القليلة التي سبقت 2020،
بل ممتدا لنحو عقد كامل رغم تعاقب عدد من الوزراء المختلفين وكذلك الإدارات
التنفيذية المختلفة على مؤسسة البترول الكويتية، لكن يبدو أن التراجع ظهر في
السنوات الأخيرة بشكل أكبر.
وعلى
سبيل المثال وطبقا لوثيقة حصل عليها مركز ريكونسنس، فإن وزير النفط علي العمير ألمح
في رد على سؤال للنائب فيصل الكندري في 2015 إن مؤسسة البترول الكويتية لم تتمكن
من الوصول إلى الطاقة الانتاجية المستهدفة لعام 2015 والبالغة 3.5 مليون برميل
يوميا وأنه "جاري تنفيذ عدد من المشاريع التي ستسهم في الوصول إلى ذلك".
وقال
العمير في حينها إن مؤسسة البترول تمكنت في عام 2010 من تحقيق طاقة انتاجية لدولة
الكويت تجاوزت 3 ملايين برميل يوميا بما يشمل كل من شركة نفط الكويت والشركة
الكويتية لنفط الخليج.
ومع
اقتراب سنة 2020 بدأ المسؤولون النفطيون يعتمدون سياسة القفز إلى الأمام، حيث ظهر
إلى السطح مصطلح استراتيجية 2040 بدلا من 2020 أو 2030، دون تمهيد أو دراسات معلنة
أو أي توضيح للرأي العام حول أسباب وملابسات تمديد الخطة لعشر سنوات إضافية.
في
يناير 2018 وقف نزار العدساني الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية آنذاك ليعلن
من فندق جي دبليو ماريوت أكبر خطة للانفاق على القطاع النفطي في تاريخ البلاد،
قائلا إن الكويت تستهدف إنفاق ما يقرب من نصف تريليون دولار على المشاريع النفطية
حتى عام 2040، مشيراً إلى انه سيتم إنفاق 114 مليار دولار على المشاريع النفطية في
السنوات الخمس المقبلة ثم 394 مليار دولار حتى عام 2040.[19]
وقال
العدساني أن الاتجاهات الاستراتيجية لشركة نفط الكويت تسعى إلى تحقيق طاقة إنتاجية
من النفط الخام في الكويت تبلغ نحو 4.75 مليون برميل يومياً بحلول 2040 مشيرا إلى
أن المؤسسة تخطط لزيادة القدرة التكريرية للمصافي المحلية لتصل إلى مليوني برميل
يومياً بحلول 2035.
وبهذا
تم تمديد الفترة الزمنية لاستراتيجية الكويت النفطية عشرين عاما إضافية، وتمت
زيادة الطاقة الانتاجية المستهدفة بنحو 750 ألف برميل يوميا عن الاستراتيجية
السابقة التي لم يتحقق منها شيء في هذا المجال.
ولم
توضح مؤسسة البترول الكويتية لاقبل 2020 ولا بعدها ما إذا كان التأخر في إنجاز هدف
2020، ووقوف البلاد عن 2.9 مليون برميل يوميا بدلا من 4 ملايين سيعني تغييرا
مماثلا في استرتيجية 2040، بمعنى هل سيظل هدفها كما هو 4.750 مليون برميل يوميا أم
ستتقلص أهدافها إلى ما دون أربع ملايين مثلا أو حتى عند 3 ملايين فقط.
|
2008 |
2009 |
2010 |
2011 |
2012 |
2013 |
2014 |
2015 |
2016 |
2017 |
2018 |
2019 |
2020 |
2021 |
الطاقة الانتاجية |
2.377 |
2.49 |
2.766 |
3 |
2.922 |
2.87 |
2.922 |
2.81 |
3.017 |
لا توجد بيانات |
لا توجد بيانات |
2.855 |
2.806 |
2.629 |
واقع الانجاز في استراتيجية 2020 في مجال الغاز غير
المصاحب
|
الطاقة الانتاجية بالمليون قدم مكعب يوميا |
النسبة |
المستهدف طبقا للاستراتيجية في 2020 |
2100 |
100 بالمئة |
الطاقة المحققة للغاز غير المصاحب في 2020 |
490 |
23.3 بالمئة |
العجز في الطاقة
المستهدفة للغاز غير المصاحب في 2020 |
1610 |
76.7 بالمئة |
وعلى
صعيد التكرير والتصنيع،
جاء عام 2020 والقوة التكريرية للكويت في أضعف حالاتها. تم إغلاق مصفاة الشعيبة في
2017 لتنخفض الطاقة التكريرية للبلاد بمقدار 200 ألف برميل يوميا من 936 ألفا إلى
736 ألفا.[20]
وكانت
الخطة الأساسية أن يتزامن إغلاق مصفاة الشعيبة مع تشغيل مصفاة الزور ذات الطاقة
الكبيرة. لكن ما حدث هو العكس، تم إغلاق مصفاة الشعيبة دون تشغيل الزور، ما جعل
الكويت بحاجة لاستيراد زيت الوقود والبنزين. وما زاد الأمر صعوبة أن إغلاق مصفاة
الشعيبة جاء، بينما كانت مصفاة الأحمدي وميناء عبدالله في خضم عملية تطوير كبرى
بدأت في ابريل 2014 بكلفة 15.5 مليار دولار فيما عرف بمشروع الوقود البيئي، الذي
تأخر إنجازه نحو أربع سنوات، وافتتح في مارس 2022 بدلا من ابريل 2018.
وقال
محمد غازي المطيري الرئيس التنفيذي لشركة البترول الوطنية الكويتية عند إغلاق
مصفاة الشعيبة إن بلاده ستحتاج إلى استيراد زيت الوقود لتلبية احتياجات توليد
الكهرباء لنحو عام، مشيرا إلى أن الكويت تحتاج إلى 120 ألف برميل يوميا، أو ما
يعادل نحو 18 ألف طن يوميا، من زيت الوقود في الصيف و70 ألف برميل يوميا، أو ما
يوازي عشرة آلاف طن يوميا في الشتاء لتوليد الكهرباء. بينما قال وزير النفط
الكويتي عصام المرزوق إن بلاده ستحتاج أيضا لاستيراد البنزين كي تعوض جزءا من
انخفاض الإنتاج المرتبط بمصفاة الشعيبة حتى يتم تشغيل مصفاة الزور.[21]
الطاقة التكريرية للكويت
السنة |
2010 |
2017 |
2020 |
2022 |
الطاقة التكريرية بالألف برميل يوميا |
936 |
736 |
736 |
800 |
مصفاة
الزور وافتقاد أهمية عنصر الزمن
مشروع
مصفاة الزور الذي بلغت تكلفته نحو 16 مليار دولار، وتم توقيع عقوده وبدأ العمل فيه
اعتبارا من 2015 لم يفتتح بعد، ويبدو أنه سيستغرق المزيد من الوقت، في ضوء
الملابسات التي تحيط به رغم أن افتتاحه كان مقررا في 2019.
هذا
المشروع في حد ذاته يشكل نموذجا للتخبط الذي تعاني منه الصناعة النفطية في الكويت،
وعدم إدراك أهمية عنصر الزمن في تنفيذ المشاريع، فقد كان مقررا لهذه المصفاة أن توفر
للبلاد مصدرا آمنا وثابتا لتغطية احتياجات وزارة الكهرباء والماء من زيت الوقود النظيف
LSFO ذي المحتوى الكبريتي المنخفض
الذي تقل نسبة الكبريت فيه عن واحد في المئة وبانتاج قدره 225 ألف برميل يوميا من
أجل انتاج الكهرباء والماء[22].
وقد
اعتمد المجلس الأعلى للبترول مشروع المصفاة في العام المالي 2004- 2005 بناء على أوضاع السوق آنذاك "وفي
ضوء عدم توفر كميات الغاز الكافية محليا وتعثر المفاوضات مع الدول المجاورة
لاستيراد الغاز عبر خطوط الأنابيب"، على حد تعبير مؤسسة البترول الكويتية في
بيان رسمي[23].
ونتيجة لهذه الملابسات، لم تكن المصفاة مصممة لتحقيق الربحية أو على الأقل لم تكن
تهدف إلى تحقيق أرباح عالية لاسيما في السنوات الأولى من التشغيل، لأنها موجهة
بالأساس لتلبية الطلب المحلي على زيت الوقود لانتاج الكهرباء.
لكن
ومع تأخر انجاز المشروع، تغيرت الأوضاع العالمية
والإقليمية لأسواق الغاز الطبيعي الذي يعتبر بديلا أفضل في انتاج الكهرباء، اقتصاديا
وبيئيا، من زيت الوقود الذي توفره المصفاة، ما نتج عنه اتجاه وزارة الكهرباء إلى
الاعتماد على الغاز الطبيعي في محطاتها، بل وبناء مشروع محطة دائمة لاستيراد الغاز
المسال LNG، أحد أكبر مرافق استيراد الغاز المسال في
العالم، بكلفة 1.1 مليار دينار، وهو ما يعني عمليا الاستغناء عن زيت الوقود الذي
تم بناء المصفاة لانتاجه، وبالتالي فقد مشروع المصفاة جزءا أساسيا من أهميته.
إزاء
هذه الحقائق التي فرضتها أوضاع الأسواق العالمية، لجأت مؤسسة البترول إلى إنشاء مجمع
للبتروكيماويات إلى جانب المصفاة، كما فصلت المجمع والمصفاة في شركة مستقلة إلى
جانب منشأة استقبال الغاز المسال هي الشركة الكويتية للصناعات البترولية المتكاملة
(كيبيك KIPIC) [24]. كما
أعلنت في نوفمبر 2018 أنها أعدت دراسة جدوى مبدئية لتحويل مصفاة الزور إلى أخرى
تجارية، بعد أن تبين لها أن محطات وزارة الكهرباء والماء "يمكن تزويدها
بالغاز الطبيعي والغاز المسال لتلبية احتياجاتها الحالية والمستقبلية من الوقود
والاستغناء عن كميات كبيرة من زيت الوقود المنتج من مصفاة الزور"[25].
لكن
ورغم ذلك أكد بيان المؤسسة أن الموضوع لا يزال "في مرحلة الدراسات ولم يتم
بعد اعتماد أي قرار للمضي قدما فيه كما أنه لم يتم توقيع أي أوامر تغييرية لتغيير
نوعية منتجات مصفاة الزور".
الموقف
الحالي لصناعة التكرير في الكويت في مايو 2022 هو القدرة على تكرير 800 ألف برميل
فقط من النفط يوميا بعد تشغيل مشروع الوقود البيئي الذي استمر العمل فيه ثماني
سنوات. أي أن الهدف الذي كان محددا للوصول إلى 1.4 مليون برميل يوميا تم انجاز 57
بالمئة فقط منه، كما أن الطاقة التكريرية للبلاد إنخفضت من 976 ألف برميل في 2010
إلى 800 ألفا في 2022. أي بانخفاض نسبته 18 بالمئة.
صحيح
أن نوعية المنتجات تغيرت وأصبحت أفضل ومواكبة للاشتراطات العالمية إلا أن هناك
كلفة عالية لهذا التأخير سنتحدث عنها لاحقا.
مثال
آخر على تخبط الاستراتيجية النفطية في قطاع التكرير جاء من خلال إطلاق شركة
البترول الوطنية الكويتية في 25 نوفمبر 2018 في حفل كبير لاستراتيجيتها الجديدة
لعام 2040، حيث أعلن محمد غازي المطيري الرئيس التنفيذي في حينها أن الشركة تدرس
بناء مصفاة خامسة بطاقة 430 ألف برميل نفط يوميا للوصول بطاقة البلاد التكريرية
إلى 2 مليون برميل يوميا في 2035.[26]
لكن
هذه الاستراتيجية التي كان مقررا لها أن تستمر عشرين عاما لم تدم إلا شهورا، إذ سرعان ما أعلن وليد البدر الرئيس التنفيذي
الذي جاء بعده، في سبتمبر 2019 إن الكويت تتجه إلى تقليص أهدافها في مجال التكرير
بنحو 20 بالمئة في استراتيجية 2040، ليكون الهدف هو الوصول بطاقة التكرير إلى 1.6
مليون برميل يوميا بدلا من مليوني برميل يوميا[27].
وقال
البدر في مقابلة مع رويترز إن استراتيجية 2040 يتم تحديثها حاليا، وإن “التوجهات
الاستراتيجية (لها) سوف تقف عند هدف 1.4 (مليون برميل يوميا) وليس هناك مصفاة
جديدة، لكن ستكون هناك محاولات.. لرفع الطاقة التكريرية بما لا يتجاوز 200 ألف
برميل إضافية.. أي نرفع الطاقة التكريرية في دولة الكويت من 1.4 إلى 1.6.. هذه هي
الخطة”.
هذا
التصريح الأخير يعني أن الخطط والاستراتيجيات التي ينبغي أن تكون ثابتة رغم تغير
الإدارات والأشخاص لم تعد كذلك، فقد تغيرت خلال أشهر بمجرد تغيير الرئيس التنفيذي
للشركة.
تداعيات
التأخير في إنجاز المشاريع
ما
أوردناه سابقا هو مجرد أمثلة على تعامل مؤسسة البترول الكويتية وشركاتها التابعة
مع استراتيجية القطاع النفطي، وهي تظهر كيف أن عامل الزمن لم يولى الاهتمام
المناسب، حيث التأخير يستغرق سنوات وسنوات لإنجاز العمل، وهو ما يعني أن التقدم في
مؤسسة البترول الكويتية يسير إلى الوراء. وفيما يلي نرصد بعض التداعيات والنتائج
الطبيعية والمتوقعة لمثل كهذا استراتيجية.
· أول ما يؤدي إليه
تأخر إنجاز المشاريع هو تضييع سمعة الدولة لدى الدول والشركات العالمية المستوردة التي
تحتاج شريكا موثوقا به يمكن البناء على خططه وتوقعات مشروعاته.
· يؤدي التأخير إلى
ضياع فرص إيرادات وأرباح كان يمكن تحقيقها في حال تشغيل المشروع، وطبقا لتقدير
ديوان المحاسبة 2020-2021 فإن قيمة الإيرادات غير المحققة نتيجة تأخر مشروع مصفاة
الزور على سبيل المثال لمدة تقل عن ثلاث سنوات حتى مارس 2022 بلغت نحو 26.3 مليار
دولار[28]. كما أن الارباح غير المحققة نتيجة تأخر مشروع الوقود
البيئي ثلاث سنوات مالية حتى 31 مارس 2021 بلغت نحو 208 مليون دولار امريكي ولاشك
أن هذه الأرقام زادت بعد مرور عام إضافي.
· يؤدي التأخر في إنجاز
المشاريع واستمرار العمل فيها مدة أطول إلى تحمل القطاع النفطي نفقات أعلى من
الكلفة المقدرة، بسبب مصاريف التأمين والخدمات واستغلال الأراضي وغير ذلك. [29]
· تتعرض المشاريع نتيجة
للتأخير في انجازها لأسعار جديدة للمواد الخام والخدمات غير المقدرة في ميزانية
المشروع الأولية، نظرا لعوامل التضخم الطبيعية في الاقتصاد، وهو ما يؤدي إلى مزيد
من الانفاق على المشروع وبالتالي تقليل العائد منه.
· كما يؤدي التأخير
إلى ارتفاع كلفة أجور الموظفين وتدريبهم وكذلك عقود الصيانة دون أن يكون هناك
إيراد حقيقي نتيجة لتأخر تشغيل المشروع.
· التأخير أيضا
يؤدي إلى استمرار الكويت في الاعتماد على الخارج في توفير المواد التي كان يفترض أن توفرها هذه المشاريع، وعلى
سبيل المثال يرصد تقرير ديوان المحاسبة 2020-2021 أن الكويت استوردت بنزين بقيمة
1.2 مليار دولار نتيجة تأخر مشروع الوقود البيئي ثلاث سنوات مالية حتى 31 مارس
2021. [30]
· طول مدة المشاريع
ترفع كلفة فوائد التمويل، دون أن يكون هناك عوائد حقيقة للمشروع.
· طول مدة المشاريع
تزيد من الأوامر التغييرية مع المقاولين، وهو ما يؤدي إلى انفاق المزيد من الأموال
على المشروع وانحرافه عن ميزانيته المقدرة.
تفسير
القصور في إنجاز الأهداف
تقديم
التفسير الصحيح للقصور في إنجاز الأهداف في استراتيجية القطاع النفطي يجب أن تقدمه
مؤسسة البترول الكويتية والشركات النفطية التابعة، لها كونها المسؤولة عن هذه
المشاريع. لكن في ظل الصمت المريب والغياب الإعلامي الواضح لمؤسسة البترول، فإننا
نقدم بعض التفسيرات التي يرصدها خبراء الصناعة النفطية، وتتلخص في مجموعة من
العوامل يمكن أن تكون قد أسهمت بدرجات متفاوتة في فشل الوصول للأهداف الموضوعة في
استراتيجية 2020، وترحيل المشكلة عشرين سنة قادمة بالحديث عن استراتيجية 2040.
أولها معضلة التمويل، حيث تجد مؤسسة البترول الكويتية نفسها
عاجزة عن تمويل مشاريعها التي تصل كلفتها إلى نصف ترليون دولار طبقا لتصريح الرئيس
التنفيذي السابق رياض العدساني. وتزداد صعوبة وتعقيد هذه المشكلة مع إدراك أن
الكويت عانت خلال السنوات الماضية من عجز مزمن في ميزانيتها منذ سنوات.
وهنا
لايمكن تجاهل الطريقة التي مولت بها شركة البترول الوطنية الكويتية مشروع الوقود
البيئي حيث دفعت 30 بالمئة من الكلفة المالية للمشروع من ميزانيتها بينما تم توفير
السبعين بالمئة الباقية من بنوك كويتية وأجنبية، وكان مأمولا أن يتم اتباع هذا
النموذج أو نماذج أخرى غيره في تمويل كثير من المشاريع النفطية.
كما
لا يمكن تجاهل حقيقية أن مؤسسة البترول الكويتية تراكم لديها على مدى سنوات نحو 7
مليار دينار (25.3 مليار دولار) كأرباح محتجزة، واضطرت في النهاية في عهد وزير
النفط الحالي محمد عبداللطيف الفارس إلى الوصول بشأنها لاتفاق مع الهيئة العامة
للاستثمار تسدد المؤسسة بموجبه هذا المبلغ للدولة وفوقه نصف مليار دينار كرسوم
إضافية على مدى 15 عاما. [31]
ثانيا: معضلة افتقاد الكوادر البشرية، وهي معضلة يشير إليها
غالبا المسؤولون السابقون في القطاع النفطي، لاسيما أن المؤسسة قامت بإحالة قيادات
وكوادر إلى مرحلة التقاعد في زمن وزير النفط هاني حسين بهدف تجديد الدماء، لكن ذلك
لم ينعكس إيجابا على أداء القطاع النفطي.
ثالثا: افتقاد التكتولوجيا، يشير البعض إلى أن زيادة الانتاج
تتطلب الوصول إلى حقول صعبة، وعلى مسافات بعيدة، لا تمتلك شركة نفط الكويت القدرات
التكنولوجية الكافية لها، وهو ما يثير تساؤلات بشأن الشركاء الدوليين وشركات النفط
العالمية لاسيما الأمريكية والبريطانية التي احتفظت الكويت معها بعلاقات تاريخية،
فلماذا لا يتم الاستعانة بهذه الشركات التي طورت تكنولوجيا هائلة في السنوات
الأخيرة مكنتها من الوصول إلى النفط الصخري في الولايات المتحدة على مسافات لم يكن
متصورا الوصول إليها قبل ذلك.
رابعا: تقادم الحقول النفطية، حيث يؤكد المسؤولون الكويتيون
دائما أن الحقول النفطية لا تزال يافعة، لاسيما حقل برقان وهو واحد من أكبر حقول
النفط بالعالم ومسؤول عن نحو 70 بالمئة من انتاج النفط الكويتي، إلا أن الواقع
ربما يكون مخالف لذلك، حيث تزداد نسبة المياة المستخرجة مع النفط مع تقادم هذه
الحقول ويصعب التحكم بها، كما أن استخراج النفط من مكامنه البعيدة يصبح أبعد وأكثر
تعقيدا مع استنفاد المكامن السهلة والقريبة.
وعلى
سبيل المثال تزايدت كمية المياة المصاحبة للنفط المستخرجة من الآبار في منطقة جنوب
وشرق الكويت من 650 ألف برميل يوميا في يناير 2014 إلى 1.45 مليون برميل يوميا في
مايو 2020.[32]
كما
توقف العديد من الآبار الإنتاجية بجميع المناطق التي تعمل بها شركة نفط الكويت خلال
السنة المالية 2020/2021، وبلغ عددها نحو 523 بئرا لوجود مشاكل فنية وانخفاض الضغط
لبعض الآبار واحتياج بعضها للصيانة، بالإضافة إلى انخفاض الانتاجية في العديد من
الآبار بعد إجراء عمليات الصيانة لها بنسبة وصلت في أحدها 92 بالمئة[33].
خامسا: قصور في الدراسات، وهي مسألة فنية تتحملها مؤسسة
البترول الكويتية وشركات القطاع النفطي، حيث تكون نتيجة هذا القصور حفر آبار واغلاقها
مرة اخرى لتدني الانتاجية، ما يحمل ميزانية الدولة مبالغ طائلة هي في غنى عنها.
سادسا: العوامل السياسية، إذ يشير كثير من القيادات النفطية
في أحاديثهم الخاصة إلى كثرة التدخلات السياسية في الشأن النفطي، والاستجوابات
المتتالية لوزراء النفط في مجلس الأمة، وما يصفونه "بابتزاز" بعض النواب
لهم، لأسباب لا علاقة لها بالشأن النفطي.
وفي
هذا الصدد اشتكي عصام المرزوق الذي حمل حقيبتي النفط والكهرباء والماء مما وصفه
بطغيان الجانب السياسي على الجانب التنموي لدى بعض النواب. وقال "كنت اتمنى
أن يسألني أحد النواب عن استراتيجية مؤسسة البترول للعشرين سنة المقبلة، او
المشاكل التي ستواجهها وزارة الكهرباء والماء عام ٢٠٤٠، والعمل على تلافي هذه
المشاكل بحلول عقلانية، ولكن للأسف لم يحدث ذلك"[34]. وعموما
فإن هذه المعضلة ربما لا تتعلق بالقطاع النفطي وحده وإنما بكل القطاعات الاقتصادية
الأساسية في الدولة.
سابعا: أزمة مؤسسية، حيث يشير البعض إلى أن مؤسسة البترول
الكويتية تمر بحالة من الركود منذ بداية العقد الماضي، هذا الركود امتد إلى معظم
المشاريع النفطية التي اما توقفت أو استغرقت وقتا أطول بكثير مما كان مقدرا، ويكفي
أن نشير إلى مشروع الوقود البيئي ومشروع مصفاة الزور كأمثلة.
ثامنا: قصور في أداء المقاولين نتيجة أخطاء أو عيوب في العقود
او الترسية أو المتابعة أو غير ذلك، وهي أخطاء تتحملها مؤسسة البترول وشركات
القطاع النفطي بلاشك. [35]
تاسعا: أزمة توقف انتاج المنقطة المقسومة، حيث أدت إلى استنفاد
الطاقة الانتاجية التي راكمتها شركة نفط الكويت خلال السنوات الماضية في تعويض
انتاج المنطقة المقسومة خلال فترة توقف الانتاج فيها والتي استمرت أكثر من خمس
سنوات من 2014 إلى 2019. [36]
عاشرا: طول الدورة المستندية للمشاريع، والتي تشمل إعداد
الدراسات والجدوى الاقتصادية والتصاميم الهندسية، واعتماد الميزانية والعقود ولجان
المناقصات والاعتمادات، وصولا إلى مرحلة الإنشاء والتشغيل. [37]
خاتمة
من
نافلة القول أن النفط هو شريان الحياة للاقتصاد الكويتي، حيث تمثل إيراداته نسبة
90 بالمئة من الموازنة العامة السنوية للدولة، وهو الثروة التي قامت عليها الكويت
الحديثة، وبدونها لن يكون هناك أي أفق لأي وضع اقتصادي يمكن التعايش معه في
السنوات القادمة.
هذا
المورد الرئيسي يتراجع سنة بعد سنة دون توضيح من القائمين على مؤسسة البترول
الكويتية أو الحكومة حول ملابسات هذا التراجع والنمو السلبي للقطاع، وكأن
استراتيجية 2020 قد تبخرت في لحظة.
على
مدى أكثر من عامين منذ دخول 2020 وما تلاه، لم تعقد مؤسسة البترول الكويتية مؤتمرا
صحفيا ولم يفتح مسؤولوها النقاش مع الصحفيين أو حتى مع النواب في مجلس الأمة، حول
أسباب هذا الاستنزاف للثورة النفطية، وكأن كتيبة الموظفين في إدارة الإعلام
والعلاقات العامة قد تبخرت ولم يعد لها وجود[38].
عدم
تحقق الاستراتيجية النفطية يعني تضييع الفرص التاريخية في ظل تعطش أسواق النفط العالمية
لأي كميات إضافية حاليا، لاسيما بعد حرب روسيا على أوكرانيا وحاجة العالم الى تعويض
النفط الروسي. الدول التي استعدت مبكرا مثل قطر في قطاع الغاز تمكنت من حصد الثمار
واستثمار الفرصة.
وإذا
كان لدى الكويت مخزون نفطي يكفي لمئة عام قادمة، فليس هناك أي ضمانة بأن العالم
سيظل يستخدم النفط حتى نفاد هذه الكمية، فقد فرضت الحرب الروسية على أوكرانيا
واقعا جديدا وألجأت دول أوروبا لخيارات كانت مستبعدة، وهو ما قد يفرض خيارات جديدة
تماما على واقع سوق الطاقة العالمي برمته على المدى المتوسط والبعيد. وقد تلجأ
الدول المستهلكة الى خيارات لا تتواكب مع مصالح الكويت مثل اللجوء للطاقة النووية أو
طاقة الرياح أو الشمس لاسيما في ظل الاهتمام المتزايد بقضايا البيئة في العالم.
وهذا
قد يعني أن الثروات النفطية غير المستغلة في الوقت المناسب قد يأتي عليها وقت لا
ستخدم فيه أبدا ولا يكون العالم بحاجة إليها.
وفي
مجال التكرير فإن استمرار تعثر مشروع مصفاة الزور ومجمع البتروكيماويات الذي يتم
بناؤه معها يعني أن الكويت ستستمر في استيراد المنتجات التي يفترض أن تقدمها لها
هذه المصفاة وهذا المجمع، كما سيحرمها ذلك أيضا من تقديم قيمة إضافية للنفط الخام
الذي تصدره للخارج.
تحتاج
مؤسسة البترول الكويتية لأن تكون أكثر شفافية وأكثر وضوحا في ظل قيادتها الجديدة
وأن تتواصل بشكل أكبر مع الصحافة المحلية والعالمية، وأن تجيب على الأسئلة التي
يطرحها الجميع حول أسباب تعثر الاستراتيجية النفطية السابقة، والحلول المطروحة
للتغلب على العقبات القديمة والجديدة، وأن تعدل استراتيجيتها لعام 2040 في ضوء
الواقع الفعلي للصناعة النفطية للبلاد، وأن توفر الموارد المالية الكافية لتنفيذ
الخطط الجديدة، لا أن تتعامل معها ذات التعامل السابق الذي لم تجن منه البلاد سوى السراب.
لاشك
أن القطاع النفطي الكويتي وعلى رأسه مؤسسة البترول الكويتية يحتاج في الوقت الحالي
لوقفة جادة مع النفس لإيقاف النزيف الحاصل، وهو بالمناسبة نزيف تاريخي، فمنذ
اكتشاف النفط في البلاد في القرن الماضي، حافظ هذا القطاع على النمو المستمر
باستثناء فترة الغزو العراقي الغاشم، لكنه الآن في تراجع مستمر ونمو سلبي لا يعلم
أحد ما إذا كان سيستمر في السنوات القادمة أم سيجد من يوقفه.
****************
[1] نشرت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) ملخصا
للحوار: أنظر الشيخ أحمد
الفهد.. الكويت اتخذت جميع الإجراءات لتأمين آبار النفط، وكالة الأنباء الكويتية، 6
مارس 2003، شوهد في 5 مياو 2022، في : https://bit.ly/3MYEmZ3
[2] وكالة الأنباء
الكويتية (كونا)، الشيخ احمد
الفهد يشدد على اهمية دور مؤسسة البترول الكويتية في دعم الاقتصاد الوطني الكويت، 23
فبراير 2005، شوهد في 5 مايو 2022، في: https://bit.ly/3FhCZ4M
[3] للإطلاع على الوثيقة على موقع مؤسسة البترول
الكويتية أنظر:مؤسسة البترول الكويتي، KPC 2030 التوجهات الاستراتيجية، شوهد في 5 مايو 2022، في : https://bit.ly/3P0c9CY
[4] مؤسسة البترول الكويتية، KPC 2030 التوجهات
الاستراتيجية، المرجع السابق، ص 16 - 23
[5] ضمت الوثيقة أيضا أهدافا أخىر
منها الوصول إلى
معدلات إنتاج قدرها 130 ألف برميل نفط مكافئ يوميا بحلول 2015 في العمليات خارج
الكويت، و200 ألف برميل نفط مكافئ يوميا بحلول عام 2020 مع المحافظة على هذا
المعدل حتى عام 2030.
[6] مؤسسة البترول الكويتية، KPC 2030 التوجهات
الاستراتيجية، المرجع السابق، ص 26 و 28
[7] وضعت الوثيقة أيضا هدفا آخر وهو التوسع في الطاقة التكريرية خارج الكويت بما
يضمن منفذا آمنا لتصريف نحو 700 ألف برميل يوميا في 2015 و800 ألف برميل في 2020
من النفوط الكويتية.
[8] بعد تشغيل مصفاة الزور ستشترك الشركة الكويتية للصناعات البترولية
المتكاملة (كيبيك) في عملية التكرير باعتبارها مالكة لمصفاة الزور، ما سيأتي
تفصليه لاحقا.
[9] أنظر: مؤسسة البترول
الكويتية، KPC 2030 التوجهات الاستراتيجية، ص 20
[10] مؤسسة البترول الكويتية، KPC 2030 التوجهات
الاستراتيجية، المرجع السابق، ص 22
[11] مؤسسة البترول الكويتية، KPC 2030 التوجهات الاستراتيجية، المرجع السابق، ص 16
[12] Reuters,
"Kuwait plans big oil reserves hike," 19/10/2010 accessed on
6/5/2022, at: https://reut.rs/3LUsneD
[13] أنظر نص كلمة نزار العدساني بعنوان
"ملامح التوجهات الاستراتيجية للقطاع النفطي الكويتي" في مؤتمر ومعرض
الكويت للنفط والغاز 2015، على موقع مؤسسة البترول الكويتية، شوهد في 11/5/2022،
على رابط: https://bit.ly/3FA37rT
[14] IEA
report, Oil 2021: Analysis and forecast to 2026, International Energy Agency,
P:75
[15] شركة تفط الكويت، التقرير السنوي 2019 -2020، ص
15.
[16] Reuters
Staff, "Kuwaiti-Saudi Khafji oilfield to produce 100,000 bpd by end
April", 11/3/2020, accessed on 7/5/2022 at: https://reut.rs/3l85IQB
[17] شركة تفط الكويت، التقرير السنوي 2020 -2021، ص
15.
[18] شركة تفط الكويت، التقرير السنوي 2019 -2020،
ص 15.
[19] أنظرموقع
مؤسسة البترول الكويتية، مؤسسة البترول الكويتية ترعى منتدى "بتروليوم
إيكونوميست" لاستراتيجية الطاقة، شوهد في 11/5/2022، في : https://bit.ly/39IrcAQ
[20] وكالة الأنباء الكويتية ( كونا
)، تقرير كونا النفطي رقم 30، الربع الرابع 2018، ص 13.
[21] رويترز، الكويت تتجه لاستيراد زيت الوقود مع إغلاق مصفاة
الشعيبة، 31 مارس 2017، رويترز، شوهد في 11/5/2022، في: https://reut.rs/3w1HzkK
[22] رويترز، "الكويت توقع عقود مشروع مصفاة الزور النفطية بكلفة
4.87 مليار دينار"، 13/10/2015، شوهد في 6/5/2022، في: https://reut.rs/3yktLmP
[23] وكالة الأنباء الكويتية، البترول
الكويتية: أعددنا دراسة لتحويل مصفاة الزور إلى تجارية لزيادة أرباحها،
26/11/2018، شوهد في 7/5/2022، في: https://bit.ly/3vONY2K
[24] رويترز، "الكويت تنشيء شركة جديدة لتشغيل مصفاة الزور ومجمع
البتروكيماويات"، 31/1/2016، شوهد في 7/5/2022، في: https://reut.rs/3siesHF
[25] وكالة الأنباء الكويتية، البترول
الكويتية: أعددنا دراسة لتحويل مصفاة الزور إلى تجارية لزيادة أرباحها،
26/11/2018، شوهد في 7/5/2022، في: https://bit.ly/3vONY2K
[26] الوطنية ، مجلة تصدرها شركة البترول الوطنية الكويتية، العدد 489، ديسمبر 2018، إطلاق استراتيجية 2040، ص 6.
[27] رويترز، "مقابلة-الكويت تتجه لتقليص طاقة التكرير المستهدفة 20% في
استراتيجية 2040
"، 18/9/2019، رويترز، شوهد في 7/5/2022، في: https://reut.rs/38Z0q6Q
[28] تقرير ديوان المحاسبة عن السنة المالية
2020-2021 الجهات المستقلة، تابع الجزء الثالث، مؤسسة البترول الكويتية وشركاتها
التابعة ص 191
[29] تقرير ديوان المحاسبة عن السنة المالية
2020-2021، مرجع سابق، ص 59 -60
[30] تقرير ديوان المحاسبة عن السنة المالية
2020-2021 ، مرجع سابق، ص 66
[31] Reuters, Kuwait sovereign fund to get
over $1.8 bln per year from KPC – sources, 26/4/2021, accessed on 11/5/2022,
on: https://reut.rs/3N8jHSk
[32] تقرير ديوان المحاسبة عن السنة المالية
2020-2021 ، مرجع سابق، ص 345
[33] تقرير ديوان المحاسبة عن السنة المالية
2020-2021 ، مرجع سابق، ص 590
[34] القبس، المرزوق شاكراً دعم المبارك: المواطن يريد إنجازات،
12/12/2017، شوهد في 23/5/2022، في: https://www.alqabas.com/article/474175
[35] تقرير ديوان المحاسبة عن السنة المالية
2020-2021، مرجع سابق، ص 347
[36] تقرير ديوان
المحاسبة عن السنة المالية 2020-2021، مرجع سابق، ص 367
[37] تقرير ديوان المحاسبة عن السنة المالية
2020-2021، مرجع سابق، ص 367
[38] أدلى هاشم هاشم الرئيس التنفيذي السابق لمؤسسة
البترول ببيان لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) في 24/10/2021 زاد من خلاله الأمور
غموضا حين توقع زيادة الطاقة
الإنتاجية إلى 3.55 ملايين برميل يومياً عام 2025، دون توضيح ملابسات الاخفاق
السابقة وضمانات عدم تكرارها. أنظر : http://m.aljarida.com/articles/1635004976164913800/