reconnaissanceresearch.com

السياسة الخارجية الصينية في مرحلة انتقالية.. بقلم د.هاني فندقلي



في يوم الثلاثاء 8 يناير 2020، أقر مجلس الشيوخ الأميركي تشريعا خصص فيه مبلغ 250 مليار دولار، وصف بأنه أحد أكبر مشاريع القوانين الصناعية في تاريخ الولايات المتحدة في محاولة مشتركة من الحزبين لضمان بقاء قدرة الولايات المتحدة على التنافس مع الصين.

وهذا المسار هو جزء من الجدل المكثف بين النقاد وصانعي السياسات ووسائل الإعلام من جميع الميول السياسية حول السياسة الخارجية للصين. لقد ازداد هذا النقاش في حدته وتكراره في السنوات الأخيرة الى مستوى يستحضر ذكريات الحرب الباردة.

وبدافع القلق من قوة الصين الصاعدة، تحول التركيز إلى اقتصادها الطموح المتجسد في مبادرة الحزام والطريق، وحزمها السياسي في بحر الصين الجنوبي وتايوان، وتعاملها مع المعارضة الداخلية في هونغ كونغ وشينغانغ. وهكذا هو حال النظام العالمي الذي ناقشته قمة مجموعة السبع «7التي جمعت اكبر سبع اقتصادات في العالم، خلال اجتماعها قبل أيام في بريطانيا لمناقشة الأمور ذات الوزن الثقيل، كالاقتصاد العالمي وفيروس الكورونا والصين وأمور أخرى مهمة. ومن السخرية بمكان استثناء الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم من هذه الاجتماعات ومن عضوية المجموعة كليا.

ومع ذلك، فإن الخطاب بشأن الصين يفتقر إلى نوع الاستراتيجية المتماسكة التي عبر عنها جورج كينان في «برقية طويلة» عام 1946. ومقالته عن شخصية السيد «اكس» في مجلة الشؤون الخارجية بشأن روسيا. الصين ليست الاتحاد السوفيتي، وهزيمة الصين او عزلها أو تفككها ليس نهاية واقعية للعبة.

وبدلا من ذلك، فإن استراتيجية مصاغة بشكل جيد تهدف إلى الحفاظ على العلاقات بين الولايات المتحدة والصين على مستوى تنافسي، مع تجنب الانزلاق في فخ ثوسيديس، أمر بالغ الأهمية في المرحلة.

ويجب أن تتضمن صياغة مثل هذه الإستراتيجية فهما لتاريخ الصين وثقافتها الكونفوشيوسية الطاوية، والتي تحدد دوافع الصين، لاسيما قرن من الزمن التي عانت خلاله من الإذلال على أيدي القوى الأجنبية. لقد استغرقت الصين ما يقرب من قرن ونصف لاستعادة إقليم هونغ كونغ الذي تم التنازل عنه لبريطانيا العظمى في حربي الأفيون. لن يرغب أي زعيم صيني على الإطلاق في تكرار مثل هذا الإذلال.

ويتجاهل الجدل حول الصين كذلك تاريخها الفخور الذي سيطرت فيه على الاقتصاد العالمي لألفي عام حتى بداية الثورة الصناعية. وقد يستنتج المؤرخ أن القرن الماضي كان انحرافا تاريخيا، وأن الصين تستعيد مكانتها السابقة فقط. وغالبا ما يتم التغاضي عن القيود التي تواجهها الصين في الاضطلاع بدورها النسبي في إدارة المؤسسات القائمة على القواعد، مثل منظمات بريتون وودز وبنوك التنمية الإقليمية. وحتى وقت قريب، كان لدى الصين قوة تصويت أقل في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، على سبيل المثال، مقارنة بإيطاليا.

وحتى اليوم، لا تزال الصين متخلفة عن اليابان، التي يمثل اقتصادها ثلث اقتصاد الصين تقريبا، في القوة التصويتية في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنوك التنمية الإقليمية الأخرى. وفي منظمة التجارة العالمية، حيث خسرت الصين معظم القضايا المرفوعة ضدها، كانت الولايات المتحدة هي التي تهمش منظمة التجارة العالمية من خلال منع التعيينات القضائية الاستئنافية وفرض الرسوم الجمركية من جانب واحد.

واليوم، حتى تكوين مجموعة السبع، التي من المفترض أن تمثل أكبر الاقتصادات العالمية، هو من مخلفات الماضي الذي يستثني الصين التي يضاهي اقتصادها اقتصادات ستة أعضاء مجتمعة، باستثناء الولايات المتحدة. مثل هذه العوامل هي محركات مهمة لترويج الصين «للأندية» المالية التي ترعاها، والتي غالبا ما ينظر إليها بعين الشك.

وردد تقرير صدر مؤخرا عن مجلس العلاقات الخارجية الاعتقاد السائد في استنتاج أن مخاطر مبادرة الحزام والطريق على الولايات المتحدة «والدول المتلقية» تفوق كثيرا فوائدها. ومع ذلك، فقد نمت هذه المبادرات من حيث الحجم والنطاق ليتم رفضها باعتبارها مجرد خدع سياسية.

يتركز التوتر بين الولايات المتحدة والصين حول أربعة مجالات للصراع، هي الأمن والاقتصاد والتكنولوجيا والأيديولوجيا. في حين أن هذه القضايا هي مجالات اهتمام مشروعة، إلا أنها لا تساعد وفي تحديد نهاية اللعبة الملموسة. وستظل الصين دائما هي الصين ومكاسبها الاقتصادية والتكنولوجية لا رجوع فيها تقريبا. ولديها بالفعل ما يقدر بأكثر من 70% من محطات «5ج» الرئيسية في العالم ومستخدمين للهواتف الذكية «5ج»، كما أن تطورها في الذكاء الاصطناعي والحوسبة الفائقة، وما إلى ذلك، يضمن الاستدامة.

وعلى الرغم من زيادة نموها السابق بسبب انتهاكات حقوق الملكية الفكرية المزعومة، أظهر تقرير حديث صادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية أن الصين قد تجاوزت الولايات المتحدة مؤخرا في طلبات العلامات التجارية وبراءات الاختراع.

على الرغم من أن الصين ليس لديها سجل في التبشير، إلا أنها تسعى إلى تحقيق مصلحتها الوطنية من خلال سياسة خارجية ترتكز بشدة على برامج اقتصادية ذات ثلاثة أهداف ضمنية: الوصول إلى الطاقة والمواد الخام، أسواق منتجاتها وشركاتها، ومجالات النفوذ الإستراتيجية.

ومع ذلك، فقد ساهمت سياستها الخارجية القوية، في الخطاب المعادي للصين، والذي انقسم إلى قضايا سياسية «تايوان، وبحر الصين الجنوبي، والأيديولوجيا، وحقوق الإنسان، والأمن، والتكنولوجيا، والهجمات الإلكترونية، والتجارة، والعسكرية، «التي تهدد إنشاء «عالم واحد ونظامان» من خلال اعتماد معايير التكنولوجيا المتنافسة وتغيير سلاسل التوريد.

في حين أن هذه النتيجة لها فوائد خلق المنافسة والتخفيف من مخاطر المواجهة العدائية، إلا أنها مكلفة، ولها نتائج غير مؤكدة، وقد تكون متأخرة بالفعل.

ومع ذلك، فإن نموذج التقنيات المتنافسة، مع استمرار الغموض الاستراتيجي حول سياسة الصين الواحدة، قد يقدم حلا مؤقتا عمليا، وتصفه نظرية اللعبة باسم «توازن ناش» الذي يتصرف فيه كلا الجانبين ضمن معايير محددة مسبقا.

وبخلاف ذلك، فهو شكل من أشكال التعايش التنافسي. ووصفت مجلة إيكونوميست، تايوان بأنها «أكثر الأماكن خطورة على وجه الأرض»، وهو تذكير واقعي بالمخاطر الكامنة في التوترات العالمية.

وهو أيضا تذكير صارخ بكتاب نورمان أنجيل الأساسي لعام 1909 «الوهم العظيم»، عشية الحرب العالمية الأولى، حيث جادل البرلماني البريطاني ضد إمكانية الحرب لأن التكلفة الاقتصادية للحرب كانت كبيرة جدا والترابط الاقتصادي بين البلدين أن يكون «الضامن الحقيقي للسلوك الجيد».

كان آنجيل على صواب وخطأ. دعونا نأمل أن تكون هذه المرة مختلفة.

 -

* حاصل على دكتوراه في العلوم من «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» وبكالوريوس من جامعه بغداد وحصل على درجة شرف اليس ايلاند من الكونغرس الأميركي وعضو في: اللجنة الاستشارية التابعة للخارجية الأميركية شغل منصب رئيس قسم الاستثمارات في البنك الدولي، ورئيس جمعية المصرفيين العرب

 

Previous Post
Next Post
???? ????? - ??????? ??? ?????? ?????? ??????
Menu