reconnaissanceresearch.com

آراء باحثين دوليين متخصصين في ملف الشرق الأوسط، حول التداعيات السياسية لانتشار وباء فيروس كورونا المستجد على الإقليم



استطلع مركز «ريكونسنس» للبحوث والدراسات آراء مجموعة من الباحثين الدوليين المتخصصين في ملف الشرق الأوسط، حول التداعيات السياسية لانتشار وباء فيروس كورونا المستجد على الإقليم.

وقد شارك في هذه الورقة البحثية كل من: كورتني فرير باحثة زميلة بمركز الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، أليكسي حليبنتكوف كبير مستشاري الشرق الأوسط في مجلس الشؤون الداخلية الروسية، بالاضافة الى مجموعة من الباحثين في معهد دول الخليج العربي في واشنطن.

وتناولت هذه الورقة البحثية الآثار السياسة والاقتصادية الناتجة عن أزمة «كورونا» الحالية، ومدى تأثيرها على الحكومات والأنظمة السياسية في الدول العربية، ومدى قدرة هذه الحكومات على مواجهة التداعيات السلبية خاصة الاقتصادية، نتيجة تفشي الوباء، بالاضافة الى استعراض استراتيجيات الدول العربية في مواجهة انتشار الفيروس والتعامل مع الأزمات التي لحقت به، حيث تم استعراض هذه النقاط من خلال عدة محاور رئيسية.. وفيما يلي التفاصيل:

أولا: هل ستنهار أي من حكومات الشرق الأوسط؟

كورتني فرير وأليكسي حليبنتكوف لا يعتقدان أن الوباء نفسه قد يؤدي الى انهيار أي من الأنظمة العربية، ومع ذلك فإن فرير تؤكد على حتمية قيام الحكومات العربية بالتفاهم مع شعوبها أكثر من الماضي، وهو ما يحدث بالفعل الآن في لبنان نتيجة لموجة الغضب الشعبي الأخيرة، جراء سوء الإدارة الاقتصادية للبلاد.

ويظل من الممكن، وإن كان غير متوقع، أن تحدث انتفاضات في البلدان التي لا تستطيع تقديم المساعدة للذين يشكون من العوز، ولا تملك في الوقت نفسه القوة اللازمة لقمع الاضطرابات.

بينما يرى أليكسي حليبنتكوف أن هناك ثلاثة أسباب تجعلنا لا نتوقع حدوث اضطرابات عامة في الشرق الأوسط، وهي:

1 ـ نجحت بلدان المنطقة في التكيف مع الأزمات الاقتصادية والسياسية المعقدة التي كانت تمر بها قبل ظهور وباء كورونا، وتعتبر إيران خير نموذج لهذا.

2 ـ البلدان الأكثر فقرا في المنطقة، متشابكة بقوة مع الاقتصاد الإقليمي وهو ما يعني أن انهيارها سيؤدي الى عواقب وخيمة قد تتجاوز الشرق الأوسط ذاته، لذلك سيتدخل اللاعبون البارزون، سواء من الإقليم أو من خارجه، في اللحظة المناسبة لمنع انهيار تلك البلدان.

3 ـ النسبة الأعظم من مواطني تلك البلدان من الشباب، حيث لا تتعدى نسبة من تجاوزوا الخامسة والستين من عمرهم 5% من إجمالي تعداد السكان، على عكس دول الاتحاد الأوروبي التي تتجاوز نسبة كبار السن بها 20%، وعليه فالمتوقع أن يكون معدل الوفيات بفيروس كورونا في بلدان الشرق الأوسط قليل نسبيا.

لكن وعلى الرغم من أنه لا يتوقع حدوث اضطرابات واسعة في بلدان الشرق الأوسط، إلا أن أعداد اللاجئين الكبيرة في الأردن ولبنان وتركيا، فضلا عن ارتفاع معدل البطالة بين الشباب، قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار بالمنطقة.

ثانيا: ما الاستراتيجيات التي يمكن أن تستخدمها الحكومات للتقليل من آثار ارتفاع البطالة وانخفاض الناتج المحلي؟

تشير فرير إلى أنه من ضمن الحلول المقترحة منح المواطنين دخلا أساسيا شاملا، وهو ما يعني أن يحصل المواطنون على أجر أساسي في دفعة سنوية واحدة بدلا من تنوع الإعانات والبدلات التي كانوا يحصلون عليها.

ولكن تكلفة هذا الحل العالية تجعله غير عملي في بلاد مثل مصر، مما يجعل إعادة فتح المجال الاقتصادي الطريقة الواضحة لتنشيط الاقتصاد، مع الأخذ في الاعتبار أن المكاسب ستتقلص، حالة حدوث موجة ثانية من الفيروس.

وتقترح فرير إعطاء منح نقدية للمواطنين فهذا الحل يضمن المساعدة المالية مع ضمان توافر الغذاء والدواء بأسعار في متناول الجميع، لحين فتح الاقتصاد بشكل أكبر.

أما خبراء معهد دول الخليج العربي بواشنطن فيوصون باستراتيجيات الاقتصاد الكلي، مشيرين إلى أن الحكومات ينبغي أن ترفع الإنفاق كوسيلة للحد من حالات الإفلاس، وبالطبع هذا مناسب أكثر في دول مجلس التعاون الخليجي عن أي مكان آخر، وتعتبر المبادرات الحالية مثل «غدا21» في أبوظبي، هي الطريق الفوري للمضي قدما، وإذا بدأت الدول في الإنفاق بحكمة من الآن فإنها ستتمكن من تحقيق انتعاش اقتصادي لاحقا.

في سياق متصل، ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي التدخل لمساعدة القطاع الخاص الذي يحتضر، من خلال تأمين الرواتب للعاملين فيه، وبمجرد أن تسيطر هذه الدول على الوباء، فإن إعادة الفتح مع الالتزام بالمعايير سيكون أفضل حل للاقتصادات التي تخضع إلى حد كبير للعوامل الخارجية، مثل الطلب على الطاقة والنقل الدولي والسياحة.

ثالثا: هل يمكن أن تؤدي جائحة كورونا إلى مزيد من الحرية السياسية في العالم العربي؟

ترى فرير أن تلك الجائحة تحمل وجهين للعملة، فقد تؤدي إلى مزيد من التحرر السياسي، أو على العكس تماما قد تسفر عن توطيد أكثر للسلطة في ايدي الحكومات، وتعتبر لبنان نموذجا حيا لذلك حين تقدم الشعب بمطالبات عدة لحكومة يرونها غير قادرة على حماية مصالحهم إبان الأزمة.

وعلى صعيد آخر، والحديث مازال لفرير، فإن الدولة التي تمتلك أجهزة أمنية وعسكرية قوية وتعتزم استخدامها ضد المواطنين، يمكنها بسهولة إخماد الاضطرابات بدعوى الحفاظ على الأمن العام والاستقرار أثناء الجائحة.

وعليه فإن الأزمات الصحية الكبرى قد تعطي غطاء جيدا للسلطة الراغبة في إحكام قبضتها أكثر على مواطنيها.

ويتفق مع ذلك الرأي باحثو معهد «دول الخليج العربي» الذين يرون أنه من المرجح أن تواجه لبنان والعراق قلاقل متزايدة، لكن بالرغم من ذلك يصعب التكهن بكيف يمكن لهما ترجمة تلك المظاهرات إلى إصلاحات حقيقية.

أما البلدان الغنية بالنفط فإن إشكالية الصحة العامة وما صاحبها من تداعيات اقتصادية، مثل انهيار أسعار البترول، سيزيد من مشغوليات الحكومات المركزية هناك وبالتالي يصعب أن نشهد مزيد من الحريات.

وحتى الآن تعتبر الأنظمة الملكية ناجحة إلى حد كبير في مواجهة تحديات وباء كورونا، وهو ما يذكر الناس بأهمية وجود سلطة قوية، بالطبع قد تؤدي اجراءات التقشف الاقتصادي إلى خلخلة تلك التصورات، لكن تظل حكومات تلك الدول قادرة على تبني خطاب متماسك لمفهوم التضحية الوطنية، وتظل الأزمة الأكبر قائمة في الدول الريعية الأقل ثراء، مثل البحرين وسلطنة عمان والأردن، التي قد تجد صعوبة كبيرة في لعب ذلك الدور بنجاح.


«كورونا».. والتحفيز السياسي

يرى أليكسي حليبنتكوف أن الجائحة لا تعدو كونها معجلا لمجريات الأمور الآنية، لكن نظرة على الأسباب الجذرية للمشاكل القائمة، والتي لم تتم معالجتها حتى الآن، تشير إلى أن الوباء قد يفاقم من الآثار السلبية للمشكلات الموجودة بالفعل وقد يقود إلى المزيد من عدم الاستقرار.

أما «فيري» فترى أنه بالنظر إلى دول مجلس التعاون الخليجي تحديدا فان تلك الجائحة تكشف لنا كيف ستكون الحياة هناك عندما يصبح دخل النفط غير كاف للاعتماد عليه بشكل كلي، وأن على هذه الدول البدء في العمل على تنويع مصادر دخلها القومي بشكل أسرع وأكثر فاعلية.

أما خارج دول مجلس التعاون الخليجي فإن مظاهرات 2011 المعروفة إعلاميا باسم ثورات الربيع العربي والتي نادت بمكافحة الفساد، والرغبة في مزيد من الشفافية فضلا عن مطالبات بالعدالة في توزيع الدخل القومي، قد تتسارع من جديد.

ويرى باحثو «معهد دول الخليج العربي» أن جائحة كورونا عملت كمحفز لتسليط الضوء على التحديات الداخلية والقضايا التي كانت موجودة بالفعل من قبل ظهور الوباء.

فالموقف في الخليج اليوم أصبح يستوجب التحول صوب التنوع الاقتصادي أكثر من أي وقت مضى، وما قد يتركه الوباء هناك ربما هو اللبنات الأساسية للإصلاحات الاقتصادية التي كانت ستستغرق سنوات لتشرع في البدء.

هل تُغيّر أميركا سياساتها تجاه المنطقة؟

جميع المستطلعين لا يتصورون أن يكون هناك أي تغييرات رئيسية في سياسة الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة.

ويرى أليكسي حليبنتكوف أنه منذ الأزمة الاقتصادية العالمية 2008-2009، عملت واشنطن على زيادة إنتاجها النفطي بشكل كبير، وقللت من اعتمادها على نفط الشرق الأوسط، كما جعلت إدارة أوباما التقليل من التدخل في نزاعات المنطقة محورا أساسيا في سياستها الخارجية، على الرغم من كون المنطقة مركزا عسكريا مهما للولايات المتحدة وأحد أهم عملاء الأسلحة لديها.

وعليه لا يبدو أن هناك أي ادلة أو إشارات على أن الوباء سيجعل الادارة الأميركية تغير سياستها الخارجية في الشرق الأوسط.

يتفق باحثو «معهد دول الخليج العربي» مع الرأي القائل أنه من غير المحتمل حدوث تغيير فوري في السياسة الأميركية في الخليج، خاصة أن علاقة واشنطن بدول مجلس التعاون الخليجي يغلب عليها الطابع الثنائي بعيدا عن صراعات القومية والعولمة.

وحتى لو فاز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة فمن الصعب توقع أن يحدث ذلك الفوز تغيرا ملموسا في السياسة الأميركية صوب الشرق الاوسط.

ويضيف فرير أن فوز ترامب سيعزز من تصميم واشنطن على حماية الصناعة الأميركية، وتعزيز إنتاجها من الطاقة مع إضعاف أولوية المساعدات الخارجية ودعم الهيئات الدولية.

ومن المرجح أن تظل السياسات الأمنية دون تغيير، خاصة في ظل التزام الإدارة الأميركية بسياسة «احتواء إيران».


نبذة عن المشاركين بالاستطلاع

٭ مركز ريكونسنس للبحوث والدراسات، هو مؤسسة بحثية خاصة كويتية مستقلة تعمل كمنصة حوار لطرح موضوعات وقضايا مختلفة، وتبني سياسة النقاش المعمق الهادئ حولها بمشاركة ديبلوماسيين ونخب فاعلة في الدوائر السياسية والثقافية والعلمية حول العالم، كما يشجع المركز على تبادل الزيارات ووفود الصداقة الدولية لتعزيز جسور التواصل والترابط مع المهتمين والمتخصصين حول العالم.

٭ مجلس الشؤون الدولية الروسية (RIAC)، هو مركز أبحاث أكاديمي وديبلوماسي غير ربحي تم إنشاؤه بموجب مرسوم رئاسي في 2010. ويعمل كحلقة وصل بين روسيا والمجتمع العلمي والمدني حول العالم في محاولة لإيجاد حلول لقضايا السياسة الخارجية المعقدة من خلال تنظيم تعاون أكبر بين المؤسسات العلمية الروسية والمراكز/ البحثية الاجنبية حول العالم.

٭ معهد دول الخليج العربي في واشنطن (AGSIW)، انطلق في عام 2015، وهو مؤسسة مستقلة غير ربحية مكرسة لتقديم أبحاث وتحليلات متخصصة للأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لدول الخليج العربية وتأثيرها على السياسة الداخلية والخارجية لها وللدول المجاورة لها.

٭ كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية LSE مركز عريق تأسس في عام 1895، ويعمل على تعزيز الفهم وتطوير البحوث حول المجتمعات والاقتصادات والسياسة والعلاقات الدولية في المنطقة، وتضم LSE أقساما تغطي جميع فروع العلوم الاجتماعية.

Previous Post
???? ?????? ?????? - ??????? ??? ?????? ?????? ????? ???????
Next Post
The Political Implications of the Coronavirus Pandemic in the Middle East: Experts Weigh in
Menu