مقابلة خاصة لكبير المحللين في شركة إنيرجي إنتليجنس
أكد كبير المحللين لدى شركة انيرجي انتليجنس «Energy Intelligence» الرائدة في أبحاث ومعلومات الطاقة منذ 1951 في الولايات المتحدة كولبي كونيلي أن الطاقة الإنتاجية لمنطقة الخليج بمجال النفط اقتربت من معدلاتها القصوى.
وقال كونيلي في مقابلة خاصة مع مركز ريكونسنس للبحوث والدراسات أن عدم قدرة الكويت على إنجاز أهدافها النفطية يحرمها من الاستفادة من الوضع الراهن في أسواق النفط العالمية.
وحول توقعاته لمستوى الأسعار في الفترة المقبلة، قال إن الأسعار ستكون في نطاق منتصف الـ 90 دولارا خلال الفصل الرابع من العام الحالي، مع زيادات محتملة خلال شهور ذروة الشتاء قبل الانخفاض مجددا في النهاية.
يذكر أن كونيلي متخصص في الاقتصاد الكلي الإقليمي والاتجاهات السياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى أبحاث الذكاء التنافسي من خلال دراسة استراتيجيات الشركات والتطورات في المنطقة.. وفيما يلي التفاصيل:
ما مستقبل أسعار النفط على المديين القريب والطويل؟
٭ الأسعار ستكون في نطاق منتصف الـ 90 دولارا خلال الربع الأخير من العام الحالي، مع زيادات محتملة خلال شهور ذروة الشتاء قبل الانخفاض مجددا في النهاية.
ولازالت هناك حالة من الغموض تكتنف الأمور المتعلقة بالعرض، والطلب حتى نهاية العام الحالي والعام المقبل.
الطاقة الإنتاجية لمنطقة الخليج اقتربت من معدلاتها القصوى، فعلى سبيل المثال الكويت بلغت تقريبا حدود طاقتها الإنتاجية والتي انخفضت بأكثر من 500 ألف برميل يوميا على مدار الأعوام الخمس أو الست الماضية، فهي تبلغ الآن حوالي 2.6 مليون برميل يوميا.
فقد فقدت شركات النفط الوطنية في الكويت أهدافها الرامية إلى زيادة قدرتها الإنتاجية، وسوف يفضي تركيزها المتنامي على مزيد من الموارد المعقدة وغير التقليدية بغية رفع طاقتها الإنتاجية إلى زيادة كبيرة في التكاليف، ناهيك عن كثافة الكربون في النفط الخام الكويتي، مما قد يؤثر على القدرة التنافسية لقطاع النفط الكويتي مقارنة بالدول الخليجية الأخرى.
هذا لا يعني أن القطاع النفطي الكويتي غير قابل للإصلاح، بيد أن عدم القدرة على إنجاز الأهداف السابقة يمنع الكويت حقا من جني فوائد أكثر من الوضع الراهن.
من ناحية أخرى، نقدر بأن السعودية والإمارات لديهما طاقة إنتاجية احتياطية مجتمعة تبلغ حوالي 2.6 مليون برميل يوميا. ونقدر بأن إيران لديها طاقة إنتاجية احتياطية تبلغ 1.2 مليون برميل يوميا من الممكن أن تستغل في حال تم رفع العقوبات عنها.
وأوضح مسؤولون تابعون لدول تحالف أوپيك بلاس أنهم مترددون في رفع مستوى إنتاجهم بكامل طاقته، معللين ذلك بأن الاستخدام الكامل لباقي الطاقة الاحتياطية سيتسبب في ارتفاع أكبر في الأسعار في حالة حدوث انقطاع كبير وغير متوقع في الإمدادات.
وبالنظر إلى الحالة المتقلبة في عالمنا الآن، فإن هذه النظرة المستقبلية غير مستبعدة. وتعتبر ليبيا نموذجا مثاليا لهذا التصور نظرا لاستمرار تأثير تقلباتها السياسية والأمنية على مستوى انتاجها النفطي بصورة اعتيادية.
وعلى الرغم من أن السعودية والإمارات تعملان على توسيع طاقتهما الإنتاجية بمقدار مليون برميل يوميا لكل منهما إلا أن المملكة لن تتمكن من استكمال هذا التوسع حتى عام 2027، بينما تسعى الإمارات لإنجاز هذا الهدف بحلول عام 2030، وبالنظر الى مستوى كفاءة تنفيذ المشاريع لديهم، فمن الممكن أن يحقق البلدان هدفهما هذا قبل الوقت المحدد.
لذلك لا يوجد «علاج سريع» لهذه المشكلة المتمثلة في الحاجة الى توفير مزيد من الامدادات بدون قيام الامارات والسعودية أكبر الأعضاء في الأوپيك برفع طاقتهما الاحتياطية القصوى بصورة كاملة.
وهناك درجة كبيرة من عدم اليقين تستمر حتى عام 2023. وبينما نتوقع تماما زيادة الطلب خلال شهور الشتاء نظرا لتبديل الوقود في أوروبا والتداعيات المحتملة لإمدادات الغاز الطبيعي، فإن هناك عوامل أخرى تشير إلى جانب سلبي محتمل أيضا.
وهناك حالة قوية من التقلبات السياسية في كثير من الدول النامية، كما أن دخول الأسواق الناشئة في حالة ركود يعد جانبا سلبيا محتملا، ناهيك عن العامل الرئيسي المتعلق بالإغلاقات الصينية نتيجة لتفشي كوفيد-19.
وعادة ما تنتشر الأوبئة في فصل الشتاء وهذا قد يؤثر على الصين من نهاية عام 2022 وحتى بداية عام 2023.
وفي ظل وجود هذه التقلبات المحتملة حول الطلب فإنه من البديهي أن نرى أن هناك طريقا طويلا أمام عودة ما يصل إلى مليون برميل يوميا من النفط الإيراني لتهدئة المخاوف بشأن تقلبات الأسعار خلال فصل الشتاء.
كم سيستغرق الأمر حتى يتكيف السوق الدولي مع التحول في اسواق الطاقة مابين الإمدادات الروسية والامدادات الخليجية؟
* شهدت الشهور القليلة الماضية ارتفاعا طفيفا في كميات النفط الخام المتجهة من الخليج إلى أوروبا، معظمها من العراق، كما لاقت المنتجات المكررة من الخليج مثل الديزل ووقود الطائرات إقبالا أكبر بكثير في أوروبا عما كان عليه الوضع في الماضي.
وعلى الرغم من ذلك فإنني أتوقع أن يكون أي تحول كبير من الاعتماد على الخام والمنتجات المكررة الروسية بمنزلة عملية معقدة وتستغرق وقتا طويلا. وبالنسبة للدول الأوروبية القادرة على استيراد النفط الخام والمنتجات المكررة عبر البحر فإن هذا التحول يعد أمرا يسيرا.
أما بالنسبة لدول وسط أوروبا التي تعتمد على التدفقات من خط أنابيب دروجبا فستواجه أوقاتا صعبة في سبيل إيجاد بديل للإمدادات الروسية، بيد أن الحظر الأوروبي الذي سيدخل حيز التنفيذ في وقت لاحق من هذا العام وفي أوائل عام 2023 سيتيح استثناءات لبعض من هذه الدول. ومع ذلك فإن قدرتها على تصدير المنتجات الروسية حينذاك ربما تسهم في سوق أوروبية اكثر إحكاما.
وعلى المدى الأطول فإن هناك أيضا تساؤلات بشأن مدى قدرة روسيا على الحفاظ على معدلات إنتاجها الحالية، وهذا قد يؤثر على قدرة منتجي النفط الروس من الحفاظ على مستويات إنتاجها في المستقبل.
وبينما ستكون معظم الدول الأوروبية قد أوقفت أو خفضت الواردات الروسية حينئذ فإن مستهلكين مثل الهند والصين، اللتين تشتريان كميات كبيرة من النفط الروسي بخصم كبير، ربما يضطرون لتغيير وجهتهم بحثا عن بديل وربما يساهم هذا الأمر في تشديد الإحكام على السوق.
هل بمقدور دول مجلس التعاون الخليجي استيعاب حاجات الأسواق الآسيوية والأوروبية؟
* على الرغم من وجود فرص جديدة في اوروبا الآن نظرا لاحتمالية تبني الدول الأوروبية سياسات طويلة الأجل تهدف إلى خفض طلبها على النفط الروسي، فإن المنتجين الخليجيين سيتلكأون في إعادة تخطيط هيكل تدفقاتهم النفطية إلى الأسواق الأوروبية.
وإذا كنت جالسا في منطقة الخليج ووظيفتي هي وضع استراتيجيات طويلة الأجل لتسويق صادرات النفط، فمن الوارد ألا أرى أوروبا كمكون رئيسي في تخطيطي المستقبلي. فالخليجيون ينظرون إلى آسيا، وتحديدا الصين والهند، على أنها أسواق آمنة وموثوق بها ويمكن الاعتماد عليها لدعم نمو طويل الاجل للحاجة للنفط.
ما السر في نظرك لاهتمام إدارة الرئيس الأميركي بايدن بإحياء الاتفاق النووي الإيراني.. هل النفط هو الأساس؟
٭ لا جدال في أن هناك استفادة كبيرة تتمثل في إمكانية حصول المستهلكين الأوروبيين على براميل النفط الإيراني في حال التوصل إلى اتفاق نووي جديد ورفع العقوبات.
فبينما الصين والهند حريصتان على شراء النفط الروسي بخصم كبير، فإن لدى ايران قدرة على المنافسة في السوق الأوروبي بشكل أكبر وتعويض النقص المطلوب، خصوصا أن المستهلكين هناك ينصرفون عن النفط الروسي ويبحثون عن مصادر إمداد بديلة.
وفي حال التوصل إلى اتفاق على المدى القريب فإننا نتوقع نجاح إيران في تعزيز إنتاجها النفطي سريعا، كما أنه من الأهمية بمكان أن نتذكر أن إيران لديها مخزون بحري من النفط الخام ومكثفاته يبلغ 90 مليون برميل، والذي يمكن طرحه على السوق فور التوصل إلى اتفاق.
مما سيفضي إلى خفض الأسعار، كما أنه مما لا شك فيه سيفيد إدارة بايدن وأوروبا وبالطبع الإيرانيون أنفسهم.
وعلى الرغم من ذلك فإنني لا اعتقد أن أسواق النفط تمثل أولوية رئيسية لإدارة بايدن في إطار محاولتها التوصل إلى اتفاق جديد مع طهران. أرى بكل بساطة أن إدارة بايدن تسعى لإحياء الاتفاق النووي كأكثر طريق فعال في الحد من النشاط النووي الإيراني ومراقبته.
ومن منظور شرق أوسطي وخليجي فإنه من غير المحتمل أن يؤتي أي اتفاق جديد لأي ثمار سياسية، فنحن نعلم أن الاتفاق النووي الحالي لم يلق قبولا لدى كثير من شركاء واشنطن في منطقة الخليج، والذين ظلوا لسنوات ينتقدون أي اتفاق نووي مع إيران.
لا أظن أن بايدن قادر على تحقيق تقدم من خلال زيارته لمدينة جدة الشهر الماضي في حال توقيع اتفاق نووي جديد قريبا.
أما في واشنطن فإن العلاقة الأميركية الوثيقة مع إسرائيل تحظى بدعم من كلا الحزبين السياسيين، ناهيك عن أن الناخبين الديموقراطيين في الولايات المتحدة يهتمون بالسياسة الداخلية أكثر من اهتمامهم بالسياسة الخارجية، ومن المستبعد أن يفضي هذا إلى تحسين صورة الرئيس أمام مناصريه.
إذا تم التوصل لاتفاق، كيف ستتصرف ايران بالمبالغ المتحصلة من رفع العقوبات وما تأثير ذلك على المنطقة برأيك؟
٭ لا اظن بأن البيت الأبيض غير مدرك لنية طهران في كيفية استخدام التدفق النقدي المحتمل، ولذا فإنني أتوقع أن إدارة بايدن وأي إدارة مستقبلية - بغض النظرعن حزبها السياسي - ستركز على المزايا الأمنية المحتملة للتطبيع مع إسرائيل كسبيل لتشجيع مزيد من الدول على الانضمام إلى الاتفاق الإبراهيمي، والتعاطي معها في اطار القضايا ذات المصلحة والاهتمام المشترك، والتي ستكون على سبيل المثال لا الحصر، التهديد الإيراني للمنطقة.
وعلى الرغم من ذلك لا اظن بأن هذا يمثل الهدف الرئيسي لواشنطن، فدولة الإمارات أقامت علاقات مع إسرائيل، بيد أنها أعربت عن مخاوفها الأمنية للولايات المتحدة عقب الهجمات الحوثية على أبوظبي في بداية هذا العام.
وخلاصة القول فإنه إذا شعرت دول المنطقة، بأن الاتفاق النووي يتم استغلاله من ادارة بايدن لتقريبهم مرغمين من إسرائيل فإنني لا أتوقع بأن هذه الدول ستكافئ إدارة بايدن بالانضمام إلى الاتفاق الإبراهيمي، بل على العكس تماما.
هل ترى أن هناك تحولا في السياسات الأميركية إزاء دعم دول مجلس التعاون الخليجي؟
٭ لست من الداعمين لفكرة ان الولايات المتحدة في طريقها للانسحاب من المنطقة، هناك فصل بين ما ترغب واشنطن في انجازه وما هو في مقدورها أن تنجزه على أرض الواقع في خضم المشهد السياسي الأميركي المتقلب.
فالرؤساء الأميركيون يواجهون رفضا شعبيا متزايدا بخصوص الارتباط العسكري المباشر في الشرق الأوسط، ومن المرجح أن يظل الوضع هكذا ما لم تتعرض الولايات المتحدة لهجوم مباشر.
خبرة لأكثر من 70 عاماً
«انيرجي انتليجنس»، هي شركة معلومات الطاقة الرائدة في العالم لأكثر من 70 عاما، منذ التأسيس في العام 1951، ولديها خبرة كبيرة في مجالات نقل الطاقة، أسواق النفط، الغاز الطبيعي المسال، المخــــــاطر الجيوسياسية والذكاء التنافسي.