عبدالعزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث يتحدث عن مخاطر المشروع الإيراني في المنطقة
كشفت الشهور القليلة الماضية عن تعثر مفاوضات فيينا بين إيران من
جهة والدول الكبرى من جهة أخرى بشأن إحياء الاتفاق النووي الموقع في 2015، وهو ما
يستلزم الاستعداد للتعامل مع إيران كدولة نووية في غضون بضع سنوات. هذا الاحتمال
الكابوسي يفرض نفسه وبقوة في الوقت الحالي على الباحثين والمحللين وخبراء السياسة.
وعليه، فقد استضاف مركز ريكونسنس للبحوث والدراسات الخبير السعودي
المخضرم / الدكتور عبدالعزيز بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، في لقاء لم تنقصه
الصراحة والجرأة، حيث أجاب من مكتبه في جنيف على الأسئلة التي وجهها له المؤسس
والرئيس التنفيذي للمركز عبدالعزيز العنجري عبر حوار مطول من خلال التواصل المرئي.
— وفيما يلي تفاصيل الحوار: —
تراقب
دول الخليج في الوقت الحالي مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني.. من وجهة نظرك
هل يمكن أن تشتبك دول الخليج بشكل أكبر للتأثير في سير هذه المفاوضات وتوجيه
بوصلتها لمصالحها؟
**دول مجلس التعاون الخليجي لم تكن جزءًا من عملية التفاوض التي مهدت
للاتفاق النووي عام 2015م، مع إيران (خطة العمل المشتركة الشاملة)، ولم يتم
استشارتها، بل لم يتم حتى ابلاغها بتطورات العملية التفاوضية أو محتواها. وبشكل
عام تفاجأت دول مجلس التعاون بإعلان الاتفاق في يونيو 2015م، وتفاجأت أيضا بمضمون
هذا الاتفاق. وتتحمل الدول المشاركة في الاتفاق (5 +1) مسؤولية إبرام ذلك الاتفاق
بشكل حصري. وقد أثبتت التطورات اللاحقة انه اتفاق ضعيف وهش، ولا يلبي الأهداف
المطلوبة في منع إيران من تطوير وحيازة القدرات النووية العسكرية، ومن هنا جاء
قرار الانسحاب الامريكي من الاتفاق خلال رئاسة الرئيس دونالد ترامب.
أنا
لا أجد أي مبرر لمشاركة دول مجلس التعاون في عملية إعادة التفاوض لإحياء هذا
الاتفاق، لسببين، الأول: لكونه اتفاق هش ولا يلبي المتطلبات الأمنية لدول المجلس
ولذلك لا يستحق الاحياء.
وثانيا:
لكون مشاركة دول المجلس ستكون مجرد مشاركة شكلية لا تؤثر على سير المفاوضات،
فالدول الكبرى هي التي ستقرر مسيرة العملية التفاوضية، ولن يتم إعارة اهتمام
لاعتراضات أو مطالب الدول الخليجية التي ستكون مجرد مشارك متفرج فقط، بل محلل يمنح
الشرعية لعمل خاطئ، وبغض النظر عن الوعود التي تمنح لدول المجلس، فلن تكون
مشاركتها فاعلة أو صانعة للقرار الناتج عن عمليات التفاوض الدولية التي تتشابك
وتتعقد فيها مصالح الدول الكبرى. لذلك اعتقد أنه لا جدوى من مطالب المشاركة إن لم
تكن مشاركة مؤثرة حقا.
إذا فشلت المفاوضات كما ذكر كثير من المراقبين ، كيف يمكن أن
تتعامل دول الخليج مع جارة نووية في ظل النوايا العدوانية التي تبديها طهران في
كثير من الملفات؟
**مشكلة الانتشار النووي، ليست مشكلة إقليمية، بل هي في طبيعتها
الأساسية مشكلة دولية تخص السيطرة على انتشار السلاح النووي وتنفيذ معاهدة
"تحريم الانتشار النووي" لعام 1968م، NPT))، وهي من مهام المجتمع الدولي ومنظماته الدولية، ومن مسؤولية الدول
الكبرى التي تمتلك السلطة والقدرات لإجبار الدول المخالفة على الالتزام بنصوص
المعاهدات الدولية. ونحن في دول الخليج لا نستطيع أن نمنع إيران من تطوير وحيازة
السلاح النووي، ولا نستطيع أن نجبرها على التخلي عن برنامجها النووي، خاصة أن
إيران سائرة في جهودها السرية لتطوير السلاح النووي، وبغض النظر عن الانكار
الإيراني، وبغض النظر عن التعهدات والتطمينات الكاذبة التي تصدر عن القيادات
الإيرانية، وعليه فإن ترك إيران دون اجراءات فعالة وملزمة لإيقاف برنامجها النووي
سيقود إلى مفاجأة أنه سوف تستيقظ يوما دول الخليج والمجتمع الدولي على وقع امتلاك
إيران للقنبلة النووية.
علينا،
كدول الخليج، أن نرفض التعامل مع إيران كقوة نووية، ونركز على ضرورة منعها من
حيازة السلاح النووي أولا وقبل كل شيء، وقت لازال متاحا للقيام بإجراءات المنع،
ليس بإجراءات معالجة موقف يقوم على التسليم بظهور إيران كقوة نووية. الدول الغربية
تفضل الحديث عن الاجراءات القادمة، وتهيئنا لفشلها في ايقاف طموحات إيران النووية،
ولكن الحقيقة اننا في سباق مع الوقت، ولازال من الممكن إجبار إيران على التخلي عن
خططها السرية في امتلاك السلاح النووي. المشكلة هي أن المجتمع الدولي بكامله لا
يبدو جادًا وحازمًا على التعامل مع هذه القضية، وأيضا يوجد تراخي خطير روسي – صيني
في هذا الأمر.
كيف
يمكن لدول الخليج بقيادة السعودية أن تطور سياسة ناجحة لمواجهة التحدي الإيراني
بعيدا عن التحالف مع إسرائيل التي تشكل في حد ذاتها تحديا نوويا آخر لدول الخليج؟
**نحن كدول خليجية ودول عربية لا نملك حتى اليوم برنامج نووي مدني –
سلمي، والأخرون ممن يحيطون بنا يمتلكون كل شيء، سواء برنامج نووي سلمي، أو برنامج
نووي عسكري (علني أو سري). ولذلك علينا أولا أخذ الخطوة الشرعية في تأسيس برنامج
نووي سلمي حتى يمكن تطوير مجال المعرفة بالعلوم والتكنولوجيا النووية، والاعتماد
على أي طرف خارجي في حماية أنفسنا سيمثل المزيد من المذلة والمهانة، لذلك نحن نبني
ونستثمر في دولنا واقتصادنا وازدهارنا ورفاهيتنا، واهمالنا أهم قضية في الحياة وهي
قضية تأمين البقاء. لذلك لا أجد حلا حقيقيا في الاعتماد على أي طرف خارجي لتأمين
بقائنا، وحمايتنا من التهديد النووي الايراني.
ما
هي أبرز التهديدات والتحديات التي يخلقها التوسع الايراني في المنطقة على دول
الخليج في المستقبل القريب ؟
**إيران تفكر بعقلية الامبراطورية، وتفكر بالحسابات الاستراتيجية
المعقدة، لذا لو نظرنا إلى خارطة التوسع الجغرافي الإيراني في العالم العربي سنجد
أن هناك فلسفة وراء هذا التوسع، وهي تأسيس النفوذ الإيراني من مياه البحر المتوسط
إلى مياه الخليج العربي، ومحاولة فرض حصار على دول الخليج العربية من شمال وجنوب
الجزيرة العربية (اليمن والعراق). ومحاولة السيطرة على المضائق البحرية التي تتحكم
بالملاحة البحرية في المنطقة (مضيق هرمز ومضيق باب المندب). لذلك استغرب من بعض
الدول التي لا تدرك هذه الحقائق بخصوص مخاطر السياسية التوسعية الايرانية، أو
تحاول تجاوزها لحساب مصالح ذاتية قصيرة النظر.
في
ظل استمرار حرب اليمن بلا أفق للحل السياسي أو الدبلوماسي، من المسؤول من وجهة
نظرك عن إطالة أمد الحرب؟ وكيف يمكن الوصول فيها إلى نهاية؟
**حرب اليمن هي حرب إيرانية على منطقة الجزيرة العربية عبر الأراضي
اليمنية. وإطالة أمد الحرب يأتي ضمن الاستراتيجية الايرانية لاستنزاف الدول
الخليجية عبر اليمن، وإيران لا يهمها مستقبل اليمن، أو وضع الشعب اليمني، بل اليمن
والحوثيون مجرد أداة تستخدم لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الإيرانية، والتسوية
السياسية للصراع اليمني لا تخدم المصالح الإيرانية، لذا فإن أمل التوصل إلى تسوية
سياسية عادلة تضمن الاستقرار لليمن أمر مرهون بتحييد الدور الايراني في الصراع
اليمني.
فيما
يتعلق بالملفين اليمني والسوري، يبدو أن دول الخليج لم تحقق فيهما ما كانت تصبو من
أهداف، بل وزاد الطين بلة توسع نفوذ إيران فيهما، فمن الملام من وجهة نظركم عن هذا
الاخفاق؟ وكيف نضمن ألا يتكرر هذا السيناريو في أزمات مستقبلية؟
**الملف السوري والملف اليمني شهدا تعقيدات كبيرة، ودخول أطراف
إقليمية ودولية رمت بثقلها في هذا الصراع لخدمة مصالحها. دول الخليج العربية لا
يمكنها حسم الأمور بسهولة ضمن هذا التشابك والتعقيد. إيران رمت بثقلها في الملفين
السوري واليمني، وفي سوريا شاهدنا كذلك دخول روسيا وتركيا واسرائيل كلاعبين
أساسيين في الساحة. وعموما المجتمع الدولي هو المسؤول عن حالة التراخي التي قادت
إلى استفحال نفوذ الأطراف الخارجية في هذه الصراعات. لو اطلعنا على قرارات مجلس
الأمن الدولي بخصوص سوريا واليمن لوجدنا موقفا حازما ضد التدخلات الخارجية، ولكن
هذه القرارات لم تنفذ، ولم تتوفر النوايا الحقيقية لتنفيذها.
كيف
يمكن الوصول للحد الأدنى من التنسيق بين دول الخليج لتوحيد سياساتها لمواجهة
التحدي الإيراني بأفضل طريقة ممكنة؟ وما الذي تنصح به المملكة العربية السعودية
جاراتها؟
**هناك مقوله تقول "الخطر يوحد الأطراف المتباعدة"، ومن
المفترض ان مخاطر وتهديدات السياسة الإيرانية ستكون عامل توحيد لجميع الأطراف
الخليجية مع إنها أطرافًا ليست متباعدة في الأساس، لكون مخاطر سياسة التوسع وفرض
الهيمنة الإيرانية الراهنة وبعيدة المدى، لا تستثني أي طرف. ولذلك أعتقد أن دول
مجلس التعاون تدرك أن مسايرة إيران وعدم تحدي سياستها التوسعية والتدخلية ضار
بجميع دول المنطقة، وفي تقديرنا أن المواقف المتذبذبة تضعف صلابة ووحدة الموقف
الخليجي الذي يجب أن يكون واضحا وموحدا اتجاه هذه الاطماع. وأي رسائل مترددة قد
ترسل رسائل خاطئة لإيران لا تخدم المصلحة الجماعية لدول المجلس.
ماذا
لو تواصل الضغط الغربي لمزيد من الانحياز لمعسكره في الحرب الأوكرانية.. كيف ستوفق
دول الخليج بين تحالفاتها العسكرية والأمنية والسياسية مع واشنطن وتحالفاتها
الاقتصادية والنفطية مع موسكو؟
**الحرب
الأوكرانية والصراع في أوكرانيا، وهو صراع بين معسكرين تقليديين، الغربي والروسي،
وفي حقيقة الأمر الصراع لا يعنينا بشكل مباشر في دول الخليج، لذلك هناك هامش لتبني
موقف حياد متوازن بين طرفي الصراع. وبيان مجلس التعاون الخليجي الذي صدر بعد
اجتماع وزراء الخارجية، أدان السلوك الروسي دون الاشارة إلى اسم روسيا صراحة، ومع
ذلك أكد على وجوب احترام القانون الدولي واحترام سيادة واستقلالية الدول، وعدم
التدخل في شؤونها الداخلية، وهو إدانة للغزو الروسي لأوكرانيا، وانتصارا للقانون
الدولي ومبادئ الأمم المتحدة. في الوقت نفسه لا تجد دول المجلس مصلحة بمعاداة روسيا،
والانضمام إلى نظام العقوبات والمقاطعة الغربي. حيث مصالح وطنية لدول الخليج تدفع
لتبني موقف متوازن، وليس محاباة لروسيا. ودون شك أن هذا الموقف لن يرضي الولايات
المتحدة وحلفائها الغربيين، ولكن على دول الخليج التمسك بهذا الموقف بقدر الامكان،
دون الانجرار إلى مواجهه مع دول العالم الغربي.
في
ظل انفتاح المملكة على العالم وسعيها لكل مناحي التطور والتقدم، هل يوجد ضمن هذه
المناحي رغبة بتمكين الشباب من المشاركة السياسية وفتح المجال أمامهم لمزيد من
الحريات السياسية؟ وهل لتجربة الكويت تأثير محفز أو مثبط عليها؟
**تجربة الكويت في الديمقراطية هي تجربة أفرزتها ظروف الكويت
التاريخية الخاصة التي قد لا تتكرر في الدول الخليجية الأخرى. ولكل دولة خليجية
ظروفها الخاصة وتدرجها وتطورها التاريخي، وفي المملكة يسير التطور بشكل جيد نحو
توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، وهو ما نراه حاليا في تمكين المرأة
والشباب بصورة واضحة ومتسارعة سواء في قطاعات العمل المختلفة الحكومية أو الخاصة،
وكذلك في تركيبة مجلس الشورى أو الوظائف القيادية، بما ينسجم مع طبيعة المجتمع
السعودي وتركيبته الشابة حاليا، وكذلك تاريخه وطبيعته، وعن توسيع دور جيل الشباب
في إدارة الدولة، فقد تم تبني ذلك بشكل واسع منذ بداية تبني رؤية 2030، ما سيكون
له مردودات ايجابية على أسلوب صناعة القرار في المملكة.