reconnaissanceresearch.com

دراسة خاصة من الباحث الكندي د.تشارلز بيرتون بعنوان: لماذا قد يكون التعامل مع الصين معقدًا؟




يظهر اهتمام متزايد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالتعاون مع شركات صينية في مجال الاستثمار وتطوير البنية التحتية. وتحرص الصين أيضًا على إعادة توجيه الاقتصاد العالمي لتتمركز في قلب التجارة العالمية من خلال مبادرة الحزام والطريق. إن كلمة "حزام" اختصار لعبارة "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" في إشارة إلى الشبكة المقترحة للطرق البرية للنقل البري والسكك الحديدية. أما كلمة "طريق" فهي اختصار لعبارة "طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين"، أي شبكة من الموانئ والمنشآت ذات الصلة حول العالم، بما في ذلك القطب الشمالي ("طريق الحرير القطبي"). تؤدي كل هذه الأحزمة والطرق في نهاية المطاف إلى الصين وتنتهي فيها. وكانت الصين قد وقعت في السنوات الأخيرة على وثائق تعاون لبناء مشروعات "الحزام والطريق" مع 19 دولة في الشرق الأوسط، علاوة على إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية برأس مال مصرح به قدره 100 مليار دولار، وتملك دول آسيا وأوقيانوسيا 75% منه، وبذلك أصبحت الصين أكبر مقرض ثنائي في العالم. ويتم التفاوض على شروط القروض الثنائية سرًا، وغالبًا ما تكون القروض مضمونة بعدة أصول، بما في ذلك أصول البنى التحتية، مثل الحقوق في منجم أو ميناء ما. وتجدر الإشارة إلى أن الاقتراض من الحكومة الصينية يفرض تدابير احترازية لمكافحة الفساد في الجهات الرسمية أقل تشددًا مقارنة بالاقتراض من البنك الدولي. في حين تفتقر المشاريع - في كثير من الأحيان - إلى الجدوى الاقتصادية، إلا أنها تمكّن من تطوير مجالات استعراض نفوذ الأنظمة الاستبدادية ومكانتها. وعادةً ما تؤدي المدخلات النقدية إلى زيادة ثراء عائلات القادة النافذين غير الديمقراطيين والأشخاص المحسوبين عليهم.

وقد أدى ذلك إلى توجيه اتهامات للصين بأنها تنخرط في "دبلوماسية فخ الديون" من خلال تقديم ائتمان مفرط عن قصد إلى بلد مدين بهدف انتزاع تنازلات اقتصادية أو سياسية من الدولة المدينة عندما تصبح غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بهذه الديون. فعلى سبيل المثال، حصل رئيس سريلانكا ماهيندا راجاباكسا من عام 2005 إلى عام 2015 على قروض ضخمة ومساعدة [مالية] هائلة لمشروع ميناء طموح من حلفائه الصينيين، على الرغم من أن دراسات الجدوى أشارت إلى أن مشروع الميناء الضخم لن ينجح. نفذت شركة تشاينا هاربور إنجنيرنج (CHEC) المشروع، وهي إحدى أكبر الشركات المملوكة للدولة في بكين. وكما كان متوقعًا، فشل مشروع تطوير ميناء هامبانتوتا. وعلى الرغم من مرور عشرات الآلاف من السفن على طول أحد أكثر ممرات الشحن ازدحامًا في العالم، اجتذب الميناء 34 سفينة فقط في عام 2012. وبعد هزيمة ماهيندا راجاباكسا في الانتخابات في عام 2015، عانت الحكومة الجديدة في سريلانكا لتسديد المدفوعات المتعلقة بالديون الهائلة من الصين التي كان ماهيندا قد راكمها. وتحت الضغط الشديد وبعد أشهر من المفاوضات، لم يكن أمام الحكومة السريلانكية خيارًا سوى تأجير الميناء بالإضافة إلى 15000 فدان من الأراضي المحيطة به إلى جمهورية الصين الشعبية لمدة 99 عامًا اعتبارًا من ديسمبر 2018. منحت عملية نقل الدين هذه للصين السيطرة على أراضٍ تبعد مئات الأميال فقط من شواطئ الهند منافستها الجيوستراتيجية. علاوة على ذلك، أصبحت الصين الآن تملك موطئ قدم تكتيكي على طول ممر مائي تجاري وعسكري بالغ الأهمية.

لكن حتى بالنسبة للدول التي لا تربطها ديون بالصين، قد تؤدي الطبيعة المتكاملة للنظام الصيني إلى التعرض لأشكال من الإكراه السياسي والاقتصادي كجزء لا يتجزأ من التعامل مع أي شركة تابعة لجمهورية الصين الشعبية. ولا يهم ما إذا تم تحديد شريك تجاري صيني كمؤسسة حكومية أو غير حكومية، إذ تترأس فروع الحزب الشيوعي الصيني هيكليتها المؤسساتية. ويحرص قادة الحزب الشيوعي في كل مؤسسة على أن تعطي المؤسسة الأولوية لتوجيهات الحزب الشيوعي على تحقيق الربح. وتُسَخّر كل المؤسسات لخدمة المصلحة العامة لجمهورية الصين الشعبية على النحو الذي تحدده خطط الحزب الشيوعي الصيني لتوسيع جمهورية الصين الشعبية لقوتها الوطنية في الداخل والخارج. ويُعتبر نظام جمهورية الصين الشعبية كياناً صناعيًا وأمنيًا وعسكريًا متكاملاً قائم على نظام دولة الحزب، بحسب تعبير الرئيس المؤسس ماو تسي تونغ الذي قال "الحزب...الحكومة...الجيش (المؤسسات) المدنية والأكاديمية...الشرق...الغرب...الجنوب...الشمال والوسط...الحزب يقود كل شيء". وقد أعاد الأمين العام الحالي للحزب شي جين بينغ التأكيد على هذا المبدأ بشكل صريح وتم تدوينه في دستور الحزب الشيوعي الصيني.

وبناءً على ذلك، تتلقى شركة اتصالات صينية دعمًا سخيًا من الدولة الصينية مما يسمح لها بتقديم عطاء بسعر أفضل من منافسيها لتثبيت برامج ومعدات الاتصالات في معظم دول العالم. وفي المقابل، تكتسب الدولة الصينية من هذا الدعم قدرة الحصول على البيانات التي تمر عبر معدات شركة الاتصالات تلك لأغراض استخباراتية والقدرة على إجراء تحديثات البرامج لتثبيت مفاتيح الإيقاف في الشبكات التي تتحكم في البنية التحتية الرئيسية. أما شركة الاتصالات فستستفيد في المقابل من قدرة الاستخبارات العسكرية الصينية للحصول على معلومات مهمة حول أنشطة الأبحاث والتطوير الخاصة بالمنافسين وعطاءات المشاريع.

ويًظهر هذا الكيان الصناعي والعسكري والأمني المتكامل القائم على نظام دولة الحزب كفاءة مثيرة للإعجاب في تنسيق ردوده لترسيخ مصالح الصين الاقتصادية والسياسية والدفاع عنها. عندما فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا عقوبات على أربعة مسؤولين من جمهورية الصين الشعبية لتواطؤهم في سياسات الإبادة الجماعية بحق أقلية الإيغور المسلمة في الصين، عمد الاتحاد الأوروبي والدول الثلاث المتحالفة معه أيضًا إلى فرض عقوبات مشتركة على فيلق شينجيانغ للإنتاج والبناء. وتم تبرير العقوبات على فيلق شينجيانغ للإنتاج والبناء - وهي منظمة شبه عسكرية مملوكة للدولة - بسبب إجبارها أبناء أقلية الإيغور المسلمة على العمل القسري في قطف حقول القطن الشاسعة الخاضعة لهذا الفيلق. وأتى ردّ سلطات جمهورية الصين الشعبية بعد ذلك بوقت قصير، إذ اتخذت إجراءات انتقامية بحق شركة Hennes & Mauritz AB (أتش أند أم)، وهي شركة سويدية لبيع الملابس بالتجزئة متعددة الجنسيات. وكانت أتش أند أم قد نشرت في مارس 2020 بيانًا على موقعها على الإنترنت أعلنت فيه أنها ستتوقف عن شراء القطن المزروع في مقاطعة شينجيانغ. وأفادت الشركة السويدية للبيع بالتجزئة بأنها "قلقة للغاية" بشأن تقارير عن العمل القسري في المقاطعة. وعلى الفور، عمد كل بائعي التجزئة عبر الإنترنت في الصين إلى إزالة منافذ بيع أتش أند أم من مواقعهم على الإنترنت، وأزالت كل الهواتف المحمولة الصينية تطبيق أتش أند أم من متجر التطبيقات، كما اختفت منافذ بيع أتش أند أم في الصين من الخرائط على الإنترنت، وأظهرت نتائج البحث عن كلمة أتش أند أم رسالة "غير موجود". علاوة على ذلك، تم اتهام شركة أتش أند أم بالاستفادة من خيرات الصين وانتقادها البلاد في الوقت نفسه. كانت الرسالة واضحة مفادها أنه ما لم تتراجع شركة أتش أند أم عن رفضها لشراء قطن شينجيانغ، سيتم حظرها إلى الأبد في السوق الصينية الكبيرة والمربحة.

 صورة بالقمر الصناعي تظهر معسكرا للعمل القسري في شينجيانغ في الصين. المصدر: مركز السياسات السيبرانية الدولية - معهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي

وبالمثل، تطبق الصين الإكراه الدبلوماسي والاقتصادي في محاولة لإجبار كندا على الاختيار بين المطالب الأمريكية والصينية المتزامنة. ففي أغسطس 2018، أصدرت الولايات المتحدة أمرًا باعتقال المدير المالي لشركة هواوي، السيدة منغ وانزو التي اتهمت بالاحتيال المصرفي من خلال تقديم معلومات خاطئة إلى بنك هونج كونج وشنغهاي. وسافرت السيدة وانزو إلى كندا على الرغم من إدراكها التام لوجود معاهدة تسليم مجرمين نشطة للغاية بين كندا والولايات المتحدة. وعند وصولها إلى كندا، احتُجزت في مطار فانكوفر استجابة لطلب التسليم المحتم من قبل الولايات المتحدة. عل الفور، أصدرت سفارة جمهورية الصين الشعبية في أوتاوا اعتراضاً شديد اللهجة للحكومة الكندية على هذا الأمر. صُدمت الحكومة الصينية من تجرؤ كندا على اعتقال عضو بارز في "طبقة النبلاء الحمر" الشيوعيين الصينيين. وقد بدّد ذلك التصرف توقعاتها بأن ترجح كندا كفة علاقتها الوثيقة بجمهورية الصين الشعبية على كفة التزامها بموجب معاهدة مع الولايات المتحدة.

عقب ذلك، انخرطت جمهورية الصين الشعبية في عملية إكراه دبلوماسي واقتصادي لإجبار كندا على إطلاق سراح السيدة وانزو، فنُقِلَ دبلوماسي كندي كان في إجازة في الصين من قبل وزارة أمن الدولة الصينية إلى مرفق احتجاز سري في بكين، كما اعتُقِل رجل أعمال كندي مسافر من بيونغ يانغ إلى سيول أثناء مروره عبر داندونغ على الحدود الكورية مع الصين وأرسِل إلى منشأة احتجاز مماثلة هناك. ومازال الرجلان محتجزين في الصين منذ ذلك الحين. وفي انتهاك صارخ للاتفاقيات القنصلية، منعت الصين في الغالب الدبلوماسيين الكنديين من الزيارات القنصلية للرجلين، ثم حظرت بعد ذلك استيراد بذور الكانولا الكندية وغيرها من السلع الزراعية الكندية لأسباب كاذبة زائفة تزعم تلوث الشحنات الكندية. ويبلغ حجم استيراد بذور الكانولا سنويًا 3 مليار دولار. ومؤخرًا رفضت جمهورية الصين الشعبية إطلاق لقاح كانسينو في كندا والذي طورته كندا والصين وأثبت فعاليته ضد كوفيد-19 وذلك دون أي تفسير. وأدى حجب المصل الرئيسي هذا بكندا إلى إلغاء بناء منشأة بقيمة 44 مليون دولار لتصنيع هذا اللقاح في أرضها. تسبب هذا الإجراء الانتقامي الصيني مقابل احتجاز المدير المالي لشركة هواوي بخسائر مأساوية غير ضرورية في الأرواح، لا سيما في صفوف المسنين في كندا.

من الواضح أن جمهورية الصين الشعبية ليست شريكًا تجاريًا جديرًا بالثقة. فلقد ثبت أن وعد الصين بشراكات إستراتيجية مربحة للجانبين غير مستدام على المدى الطويل. فدائمًا ما تتفوق أجندات الدولة الأكبر حجمًا في جمهورية الصين الشعبية على الترتيبات التعاقدية المتبادلة والعادلة، كما تفتقر الصين إلى قضاء مستقل يمكن أن يلجأ إليه الشريك الأجنبي المظلوم للإنصاف القانوني.

 التعامل مع الصين قد يكون أمراً معقدًا ومحفوفًا بالمخاطر.

Previous Post
Next Post
Dealing with China Can Be Complicated. By: Charles Burton
Menu